ولما بين تعالى أن هذا الكتاب مشتمل على الحق والصدق أردفه ببيان بعض ما فيه من الحق والصدق، وهو أن يشتغل الإنسان بعبادة الله تعالى على سبيل الإخلاص فقال سبحانه وتعالى: ﴿فاعبد الله﴾ أي: الحائز لجميع صفات الكمال حال كونك ﴿مخلصاً له الدين﴾ أي: ممحضاً له الدين من الشرك والرياء بالتوحيد وتصفية السر.
(٩/٣٤٢)
﴿ألا لله﴾ أي: الملك الأعلى وحده ﴿الدين الخالص﴾ أي: لا يستحقه غيره فإنه المنفرد بصفات الألوهية والاطلاع على الأسرار والضمائر، قال قتادة: الدين الخالص شهادة أن لا إله إلا الله، وقال مجاهد: الآية متناولة لكل ما كلف الله به من الأوامر والنواهي لأن قوله تعالى: ﴿فاعبد الله﴾ عام وروي أن امرأة الفرزدق لما قربت وفاتها أوصت أن يصلي الحسن البصري عليها، فلما دفنت قال الحسن البصري: يا أبا فراس ما الذي أعددت لهذا الأمر؟ قال: شهادة أن لا إله إلا الله، فقال الحسن هذا العمود فأين الطنب؟ قال ابن عادل فبين بهذا اللفظ الوجيز أن عمود الخيمة لا ينتفع به إلا مع الطنب حتى يمكن الانتفاع بالخيمة أي: الانتفاع الكامل وإلا فهي ينتفع بها ولكن رأس العبادات الإخلاص في التوحيد واتباع الأوامر واجتناب النواهي.
﴿والذين اتخذوا من دونه﴾ أي: من دون الله ﴿أولياء﴾ وهم كفار مكة اتخذوا الأصنام وقالوا ﴿ما نعبدهم﴾ أي: لشيء من الأشياء ﴿إلا ليقربونا إلى الله﴾ أي: الذي له معاقد العز ومجامع العظمة ﴿زلفى﴾ وذلك أنهم كانوا إذا قيل لهم من ربكم ومن خلقكم ومن خلق السموات والأرض قالوا: الله فيقال: فما عبادتكم لهم قالوا: ليقربونا إلى الله زلفى أي: قربى، وهو اسم أقيم مقام المصدر كأنهم قالوا: إلا ليقربونا إلى الله تعالى تقريباً حسناً سهلاً وتشفع لنا عند الله تعالى: