واختلف في سبب نزول قوله تعالى لنبيه محمد ﷺ ﴿قل﴾ أي: لهذا الذي قد حكم بكفره ﴿تمتع﴾ أي: في هذه الدنيا ﴿بكفرك قليلاً﴾ أي: بقية أجلك فقال مقاتل: نزل في أبي حذيفة بن المغيرة المخزومي، وقيل: في عتبة بن ربيعة وقيل: عام في كل كافر، وهذا أمر تهديد وفيه إقناط للكافر من التمتع في الآخرة ولذلك علله بقوله تعالى: ﴿إنك من أصحاب النار﴾ أي: الذين لم يخلقوا إلا لها على سبيل الاستئناف للمبالغة قال تعالى ﴿ولقد ذرأنا لجهنم كثيراً من الجن والإنس﴾ (الأعراف: ١٧٩)
الآية.
ولما شرح الله تعالى صفات المشركين وتمسكهم بغير الله تعالى أردفه بشرح المخلصين فقال تعالى:
﴿أمن هو قانتٌ﴾ أي: قائم بوظائف الطاعات ﴿آناء الليل﴾ أي: جميع ساعاته ومن إطلاق القنوت على القيام قوله ﷺ «أفضل الصلاة صلاة القنوت» وهو القيام فيها ومنه القنوت لأنه يدعو قائماً، وعن ابن عمر أنه قال: لا أعلم القنوت إلا قراءة القرآن وطول القيام وتلا ﴿أمن هو قانت﴾ وعن ابن عباس: القنوت الطاعة لقوله تعالى: ﴿كل له قانتون﴾ (البقرة: ١١٦)
أي: مطيعون، وقرأ نافع وابن كثير وحمزة بتخفيف الميم والباقون بتشديدها وفي القراءة الأولى وجهان؛ أحدهما: أن الهمزة همزة الاستفهام دخلت على من بمعنى الذي والاستفهام للتقرير ومقابله محذوف تقديره أمن هو قانت كمن جعل لله أنداداً أو أمن هو قانت كغيره، وأما القراءة الثانية: فأم داخلة على من الموصولة أيضاً فأدغمت الميم في الميم وفي أم حينئذ قولان؛ أحدهما: أنها متصلة ومعاد لها محذوف تقديره الكافر خير أم الذي هو قانت، والثاني: أنها منقطعة فتقدر ببل والهمزة أي: بل أمن هو قانت كغيره أو كالكافر المقول له تمتع بكفرك وقوله تعالى ﴿ساجداً﴾ أي: وراكعاً ﴿وقائماً﴾ أي: وقاعداً في صلاته حالان من ضمير قانت.
(٩/٣٥٢)