﴿ذلك﴾ أي: العذاب المعد للكفار ﴿يخوف الله به عباده﴾ أي: المؤمنين ليتجنبوا ما يوقعهم فيه، وقيل: يخوف به الكفار والضلال ويدل للأول قوله تعالى: ﴿يا عباد فاتقون﴾ أي: ولا تتعرضوا لما يوجب سخطي وهذه عظة من الله تعالى ونصيحة بالغة، ووجه الدلالة أن إضافة العبيد إلى الله تعالى في القرآن مختص بأهل الإيمان.
﴿والذين اجتنبوا الطاغوت﴾ أي: البالغ غاية الطغيان والطاغوت فعلوت من الطغيان كالملكوت والرحموت إلا أن فيه قلباً بتقديم اللام على العين إذ أصله طغيوت قدمت الياء على الغين ثم قلبت الفاء لتحركها وانفتاح ما قبلها، أطلقت على الشيطان أو الشياطين لكونها مصدراً وفيها مبالغات وهي التسمية بالمصدر كأنّ عين الشيطان طغيان وإن البناء بناء مبالغة، فإن الرحموت الرحمة الواسعة، والملكوت الملك المبسوط، والقلب وهو للاختصاص قال في الكشاف: إذ لا تطلق على غير الشيطان والمراد بها هنا: الجمع انتهى.
لكن ابن الخازن فسر الطاغوت بالأوثان وتبعه الجلال المحلي.
فإن قيل: يتعين هذا التفسير لأنهم إنما عبدوا الصنم لا الشيطان. أجيب: بأن الداعي إلى عبادة الصنم هو الشيطان فلما كان هو الداعي كانت عبادة الصنم عبادة له.
فإن قيل: ما وجه تسمية الصنم بالطاغوت على التفسير الثاني مع أنه لا يطلق إلا على الشيطان كما مر؟ أجيب: بأنه أطلق عليه على سبيل المجاز لأن الطغيان لما حصل بسبب عبادته والتقرب إليه وصفه بذلك إطلاقاً لاسم السبب على المسبب بحسب الظاهر. وقوله تعالى: ﴿أن يعبدوها﴾ بدل اشتمال من الطاغوت لأن الطاغوت مؤنث كأنه قيل: اجتنبوا عبادة الطاغوت. فإن قيل: على التفسير الأول إنما عبدوا الصنم لا الشيطان؟ أجيب: بأنه الداعي إلى عبادة الصنم.
(٩/٣٥٩)


الصفحة التالية
Icon