﴿أفمن شرح الله﴾ أي: الذي له القدرة الكاملة ﴿صدره للإسلام﴾ أي: وسعه لقبول الحق فاهتدى ﴿فهو﴾ أي: بسبب ذلك ﴿على نور من ربه﴾ أي: المحسن إليه كمن أقسى الله تعالى قلبه دل على هذا ﴿فويل﴾ كلمة عذاب ﴿للقاسية قلوبهم من ذكر الله﴾ قال مالك بن دينار: ما ضرب عبد بعقوبة أعظم من قسوة القلب، وما غضب الله تعالى على قوم إلا نزع منهم الرحمة، وأما نور الله تعالى فهو لطفه. روي: «أن رسول الله ﷺ قرأ هذه الآية فقيل: يا رسول الله فما علامة انشراح الصدر للإسلام قال: الإنابة إلى دار الخلود والتجافي عن دار الغرور والتأهب للموت قبل نزول الموت».
فإن قيل: إن ذكر الله تعالى سبب لحصول النور والهداية وزيادة الاطمئنان قال تعالى ﴿ألا بذكر الله تطمئن القلوب﴾ (الرعد: ٢٨)
فكيف جعله في هذه الآية سبباً لحصول القسوة في القلب؟ أجيب: بأن النفس إذا كانت خبيثة الجوهر كدرة العنصر، بعيدة عن مناسبة الروحانيات شديدة الميل إلى الطباع البهيمية والأخلاق الذميمة فإن سماعها لذكر الله تعالى يزيدها قسوة وكدرة، مثاله أن الفاعل الواحد تختلف أمثاله بحسب اختلاف القوابل كنور الشمس يسود وجه القصار ويبيض ثوبه، وحرارة الشمس تلين الشمع وتعقد الملح، وقد نرى إنساناً واحداً يذكر كلاماً واحداً في مجلس واحد فيستطيبه واحد ويستكرهه غيره وما ذاك إلا بحسب اختلاف جواهر النفوس، ولما نزل قوله تعالى: ﴿ولقد خلقنا الإنسان من سلالة من طين﴾ (المؤمنون: ١٢)
الآية وعمر بن الخطاب رضي الله تعالى عنه حاضر وإنسان آخر فلما انتهى رسول الله ﷺ إلى قوله تعالى: ﴿ثم أنشأناه خلقاً آخر﴾ (المؤمنون: ١٤)
قال كل واحد منهما ﴿تبارك الله أحسن الخالقين﴾ (المؤمنون: ١٤)
(٩/٣٦٦)


الصفحة التالية
Icon