فإن قيل: كيف قال الله تعالى: ﴿إلى ذكر الله﴾ ولم يقل إلى رحمة الله؟ أجيب: بأن من أحب الله تعالى لأجل رحمته فهو ما أحب الله تعالى وإنما أحب شيئاً غيره وأما من أحب الله تعالى لا لشيء سواه فهو المحب الحق وهي الدرجة العالية كما قال تعالى: ﴿ألا بذكر الله تطمئن القلوب﴾ ﴿ذلك﴾ أي: القرآن الذي هو أحسن الحديث ﴿هدى الله﴾ الذي له صفات الكمال ﴿يهدي به من يشاء﴾ أي: وهو الذي شرح الله تعالى صدره أولاً لقبول الهداية ﴿ومن يضلل الله﴾ أي: يجعل قلبه قاسياً مظلماً ﴿فما له من هاد﴾ أي: يهديه. وقرأ ابن كثير في الوقف بإثبات الياء بعد الدال، والباقون بغير الياء واتفقوا في الوصل على عدم الياء.
ولما حكم تعالى على القاسية قلوبهم بحكم في الدنيا وهو الضلال التام حكم عليهم في الآخرة بحكم آخر وهو العذاب الشديد فقال:
﴿أفمن يتقي بوجهه سوء﴾ أي: شدة ﴿العذاب﴾ أي: يجعله وقاية يقي بها نفسه لأنه تكون يداه مغلولتين إلى عنقه ﴿يوم القيامة﴾ فلا يقدر أن يتقي إلا بوجهه، وقال مجاهد: يجر على وجهه في النار. وقال عطاء: يرمى به في النار منكوساً فأول شيء يلقى في النار وجهه. وقيل: يلقى في النار مغلولة يداه إلى عنقه وفي عنقه صخرة عظيمة من كبريت مثل الجبل العظيم فتشتعل النار في تلك الصخرة وهي في عنقه، فحرها ووهجها لا يطيق دفعها عنه للأغلال التي في يديه وعنقه. وقيل المراد بالوجه الجملة، وقيل: نزلت في أبي جهل ومعنى الآية: أفمن يتقي بوجهه سوء العذاب كمن أمن من العذاب بدخول الجنة فحذف الخبر كما حذف في نظائره، ﴿وقيل﴾ أي: تقول الخزنة ﴿للظالمين﴾ أي: الكافرين، وكان الأصل لهم فوضع الظاهر موضعه تسجيلاً عليهم بالظلم ﴿ذوقوا ما﴾ أي: وبال الذي ﴿كنتم تكسبون﴾ أي: تعملون في الدنيا من المعاصي.
ولما بين تعالى كيفية عقاب القاسية قلوبهم في الآخرة وبين كيفية وقوعهم في العذاب قال تعالى:
(٩/٣٧١)


الصفحة التالية
Icon