﴿إنا أنزلنا﴾ أي: بما لنا من العظمة والقدرة التامة ﴿عليك﴾ يا أشرف الخلق ﴿الكتاب﴾ أي: الكامل الشرف ﴿للناس﴾ أي: لأجلهم فإنه مناط مصالحهم في معاشهم ومعادهم فهو للناس عامة لأن رسالتك عامة وجعلنا إنزاله مقروناً ﴿بالحق﴾ أي: بالصدق وهو المعجز الذي يدل على أنه من عند الله ﴿فمن اهتدى﴾ أي: طاوع الهادي ﴿فلنفسه﴾ أي: فنفعه يعود إلى نفسه ﴿ومن ضل﴾ أي: وقع في الضلال بمخالفته ﴿فإنما يضل عليها﴾ أي: فضرر ضلاله يعود إليه.
(٩/٣٨٥)
ولما دل السياق على أن التقدير فما أنت عليهم بجبار لتقهرهم على الهدى عطف عليه قوله تعالى: ﴿وما أنت عليهم بوكيل﴾ أي: لست مأموراً بأن تحملهم على الإيمان على سبيل القهر بل القبول وعدمه مفوض إليهم، وذلك تسلية لرسول الله ﷺ ولأن الهداية والضلال من العبد لا يحصلان إلا من الله تعالى لأن الهداية تشبه الحياة واليقظة والضلال يشبه الموت والنوم، فكما أن الحياة واليقظة لا يحصلان إلا بخلق الله تعالى كذلك الضلال لا يحصل إلا من الله تعالى ومن عرف هذه الدقيقة فقد عرف سر الله تعالى في القدر ومن عرف سر الله تعالى في القدر هانت عليه المصائب.
ولما بين سبحانه أن الهداية والضلال بتقديره قال تعالى:
﴿الله﴾ أي: الذي له مجامع الكمال وليس لشائبة النقص إليه سبيل ﴿يتوفى الأنفس﴾ أي: الأرواح ﴿حين موتها﴾ أي: موت أجسادها وتوفيها إماتتها وهي أن تسلب ما هي به حية حساسة دراكة من صحة أجزائها وسلامتها لأنها عند سلب الصحة كأن ذاتها قد سلبت وقوله تعالى: ﴿والتي لم تمت في منامها﴾ عطف على الأنفس أي: يتوفى الأنفس حين موتها ويتوفى أيضاً الأنفس التي لم تمت في منامها ففي منامها ظرف ليتوفى أي: يتوفاها حين تنام تشبيهاً للنائمين بالموتى ومنه قوله تعالى: ﴿وهو الذي يتوفاكم بالليل﴾ (الأنعام: ٦٠)