ولما أثبت أن الحشر لا بد منه وأن الله تعالى قادر كل القدرة لأنه لا شريك له، وهو محيط بجميع أوصاف الكمال تسبب عن ذلك قوله تعالى: ﴿فلا يغررك تقلبهم﴾ أي: تنقلهم بالتجارات والفوائد والجيوش والعساكر وإقبال الدنيا عليهم ﴿في البلاد﴾ كبلاد الشام واليمن فإنهم مأخوذون عما قريب بكفرهم أخذ من قبلهم كما قال تعالى:
﴿كذبت قبلهم قوم نوح﴾ وقد كانوا في غاية القوة والقدرة على القيام بما يحاولونه وكانوا حزباً واحداً لم يفرقهم شيء، ولما كان الناس من بعدهم قد كثروا وفرقهم اختلاف الألسنة والأديان وكان للإجمال من الردع في بعض المواطن ما ليس للتفصيل، قال تعالى: ﴿والأحزاب﴾ أي: الأمم المتفرقة الذين لا يحصون عدداً ودل على قرب زمان الكفر من الإنجاء من الغرق بقوله: ﴿من بعدهم﴾ كعاد وثمود ﴿وهمت كل أمة﴾ أي: من هؤلاء ﴿برسولهم﴾ أي: الذي أرسلناه إليهم ﴿ليأخذوه﴾ أي: ليتمكنوا من إصابته بما أرادوه من تعذيب أو قتل.s
ويقال للأسير: أخيذ، وقال ابن عباس: ليقتلوه ويهلكوه ﴿وجادلوا بالباطل﴾ أي: بالأمر الذي لا حقيقة له وليس له من ذاته إلا الزوال كما تفعل قريش ومن ضاهاهم من العرب ثم بين علة مجادلتهم بقوله تعالى: ﴿ليدحضوا﴾ أي: ليزيلوا ﴿به الحق﴾ أي: الذي جاءت به الرسل عليهم السلام ﴿فأخذتهم﴾ أي: أهلكتهم وهم صاغرون، وقرأ ابن كثير وحفص بإظهار الذال والباقون بالإدغام ﴿فكيف كان عقاب﴾ لهم أي: هو واقع موقعه وهم يمرون على ديارهم ويرون أثرهم وهذا تقريع فيه معنى التعجب.
تنبيه: حذفت ياء المتكلم إشارة إلى أن أدنى شيء من عذابه بأدنى نسبة كاف في المراد، ولما كان التقدير فحقت عليهم كلمة الله تعالى عطف عليه.
(٩/٤٢٥)


الصفحة التالية
Icon