(٩/٤٣٨)
﴿فادعوا﴾ وصرح بالاسم الأعظم فقال تعالى: ﴿الله﴾ الذي له صفات الكمال أي: فاعبدوه ﴿مخلصين له الدين﴾ أي: الأفعال التي يقع الجزاء عليها فمن كان يصدق بالجزاء وبأن ربه غني لا يقبل إلا خالصاً، اجتهد في تصفية أعماله فيأتي بها في غاية الخلوص عن كل ما يمكن أن يكدر من غير شائبة شرك جلي أو خفي كما أن معبوده واحد من غير شائبة نقص ﴿ولو كره﴾ أي: الدعاء منكم ﴿الكافرون﴾ أي: السائرون لأنوار عقولهم.
ولما ذكر تعالى من صفات كبريائه كونه مظهراً للآيات ذكر ثلاثة أخرى من صفات الجلال والعظمة وهي قوله تعالى:
﴿رفيع الدرجات﴾ وهذا يحتمل أن يكون المراد منه الرافع، وأن يكون المراد منه المرتفع، فإن حملناه على الأول ففيه وجهان: أولها: أنه تعالى يرفع درجات الأنبياء والأولياء، ثانيهما: يرفع درجات الخلق في العلوم والأخلاق الفاضلة فجعل لكل أحد من الملائكة درجة معينة كما قال تعالى عنهم: ﴿وما منا إلا له مقام معلوم﴾ (الصافات: ١٦٤)
وجعل لكل واحد من العلماء درجة معينة فقال تعالى: ﴿يرفع الله الذين آمنوا منكم والذين أوتوا العلم درجات﴾ (المجادلة: ١١)
وعين لكل جسم درجة معينة، فجعل بعضها سفلية كدرة وبعضها فلكية وبعضها من جواهر العرش والكرسي، وأيضاً جعل لكل واحد مزية معينة في الخلق والخلق والرزق والأجل فقال تعالى: ﴿وهو الذي جعلكم خلائف الأرض ورفع بعضكم فوق بعض درجات﴾ (الأنعام: ١٦٥)
وجعل لكل واحد من السعداء والأشقياء في الدنيا درجة معينة من موجبات السعادة وموجبات الشقاوة، وفي الآخرة تظهر تلك الآثار وإن حملنا الرفيع على المرتفع فهو سبحانه وتعالى أرفع الموجودات في جميع صفات الكمال والجلال.
(٩/٤٣٩)


الصفحة التالية
Icon