﴿والله﴾ أي: المتصف بجميع صفات الكمال ﴿يقضي بالحق﴾ أي: الثابت الذي لا ينتفي يوجب عظيم الخوف لأن الحاكم إذا كان عالماً بجميع الأحوال وثبت أنه لا يقضي إلا بالحق في كل ما دق وجل كان خوف المذنب منه في الغاية القصوى. ولما عول الكفار في دفع العقاب عن أنفسهم على شفاعة هذه الأصنام بين الله تعالى أنه لا فائدة فيها البتة فقال تعالى: ﴿والذين يدعون﴾ أي: يعبدون ﴿من دونه﴾ وهم الأصنام ﴿لا يقضون﴾ لهم ﴿بشيء﴾ من الأشياء أصلاً فكيف يكونون شركاء لله تعالى، وقرأ نافع وهشام تدعون بتاء الخطاب للمشركين والباقون بياء الغيبة إخباراً عنهم بذلك.
ولما أخبر تعالى أنه لا فعل لشركائهم وأن الأمر له وحده قال تعالى مؤكداً لأجل أن أفعالهم تقتضي إنكار ذلك ﴿إن الله﴾ أي: المنفرد بصفات الكمال ﴿هو﴾ أي: وحده ﴿السميع﴾ أي: لجميع أقوالهم ﴿البصير﴾ أي: بجميع أفعالهم، ففي ذلك تقرير لعلمه تعالى بخائنة الأعين وقضائه بالحق ووعيد لهم على ما يقولون ويفعلون وتعريض بحال ما يدعون من دونه، فثبت أن الأمر له وحده فما تنفعهم شفاعة الشافعين ولا تقبل فيهم من أحد شفاعة بعد الشفاعة العامة التي هي خاصة بنبينا محمد ﷺ وهي المقام المحمود الذي يغبطه به الأولون والآخرون، فإن كان أحد يحجم عنها حتى يصل الأمر إليه ﷺ فيقول: أنا لها أنا لها، ثم يذهب إلى المكان الذي أذن له فيه فيشفع فيشفعه الله تعالى، فيفصل سبحانه وتعالى بين الخلائق ليذهب كل أحد إلى داره جنته أو ناره.
ولما أوعدهم سبحانه بصادق الأخبار عن قوم نوح ومن تبعهم من الكفار وختمه بالإنذار بما يقع في دار القرار للظالمين الأشرار أتبعه الوعظ والتخويف بالمشاهدة ممن تتبع الديار، والاعتبار بما كان لهم فيها من عجائب الآثار فقال عز من قائل:
(٩/٤٤٦)


الصفحة التالية
Icon