ولما حكى الله تعالى عن موسى عليه السلام أنه ما زاد في دفع فرعون وشره على الاستعاذة بالله تعالى، بين أنه تعالى قبض له إنساناً أجنبياً حتى ذب عنه بأحسن الوجوه، وبالغ في تسكين تلك الفتنة فقال: ﴿أتقتلون رجلاً﴾ أي: هو عظيم في الرجال حساً ومعنى ثم علل قتلهم له بما ينافيه فقال: ﴿أن﴾ أي: لأجل أن ﴿يقول﴾ قولاً على سبيل الإنكار ﴿ربي﴾ أي: المربي والمحسن إلي ﴿الله﴾ أي: الجامع لصفات الكمال ﴿وقد﴾ أي: والحال أنه قد ﴿جاءكم بالبينات﴾ أي: الآيات الظاهرات من غير لبس ﴿من ربكم﴾ أي: الذي لا إحسان عندكم إلا منه ثم ذكر ذلك المؤمن حجة ثانية على أن الإقدام على قتله غير جائز وهي حجة مذكورة على طريق التقسيم فقال: ﴿وإن يك﴾ أي: هذا الرجل ﴿كاذباً فعليه﴾ أي: خاصة ﴿كذبه﴾ أي: كان وبال كذبه عليه وليس عليكم منه ضرر فاتركوه ﴿وإن يك صادقاً يصيبكم بعض الذي يعدكم﴾ أي: العذاب عاجلاً وله صدقه ينفعه ولا ينفعكم شيئاً، فإن قيل: لم قال ﴿بعض الذي يعدكم﴾ وهو نبي صادق لا بد لما يعدهم أن يصيبهم كله؟ أجيب: بأنه إنما قال ذلك ليهضم موسى بعض حقه في ظاهر الكلام فيريهم أنه ليس بكلام من أعطاه حقه وافياً فضلاً عن أن يتعصب له، وهذا أولى من قول أبي عبيدة وغيره أن بعض بمعنى كل، وأنشد قول لبيد:

*تراك أمكنة إذا لم أرضها أو ترتبط بعض النفوس حمامها*
وأنشد أيضاً قول عمرو بن سهم:
*قد يدرك المتأني بعض حاجته وقد يكون مع المستعجل الزلل*
وقال الآخر:
*إن الأمور إذا الأحداث دبرها دون الشيوخ ترى في بعضها خللا*
(٩/٤٥٤)


الصفحة التالية
Icon