﴿إن الذين يجادلون﴾ أي: يناصبون العداوة ﴿في آيات الله﴾ أي: الملك الأعظم الدالة على تمام قدرته اللازم منه قدرته على البعث الذي في تذكره صلاح الدين والدنيا ﴿بغير سلطان﴾ أي: برهان ﴿أتاهم أن﴾ أي: ما ﴿في صدورهم﴾ أي: بصدهم عن سواء السبيل، قال ابن عادل: ما حملهم على تكذيبك ﴿إلا كبر﴾ أي: تكبر عن الحق وتعظم عن التفكير والتعلم وآذن ذكر الصدور دون القلوب بعظمه جداً فإنه قد ملأ القلوب وفاض منها حتى شغل الصدور التي هي مساكنها ﴿ما هم ببالغيه﴾ قال مجاهد: ما هم ببالغي مقتضى ذلك الكبر لأن الله تعالى مذلهم، وقال ابن قتيبة: إن في صدورهم إلا كبر على محمد ﷺ وطمع أن يغلبوه وما هم ببالغي ذلك، قال المفسرون: نزلت في اليهود وذلك أنهم قالوا للنبي ﷺ «إن صاحبنا المسيح بن داود يعنون الدجال يخرج في آخر الزمان فيبلغ سلطانه البر والبحر ويرد الملك علينا» قال الله تعالى: ﴿فاستعذ﴾ أي: اعتصم ﴿بالله﴾ أي: المحيط بكل شيء من فتنة الدجال ومن كيد من يحسدك ويبغى عليك وغير ذلك كما عاذ به موسى عليه السلام لينجز لك ما وعدك به كما أنجز له ثم علل ذلك بقوله تعالى: ﴿إنه هو﴾ أي: وحده ﴿السميع﴾ أي: لأقوالهم ﴿البصير﴾ أي: لأفعالهم.
ولما وصف تعالى جدالهم في الآيات بأنه بغير سلطان ولا حجة ذكر لهذا مثالاً فقال:
﴿لخلق السموات﴾ أي: على عظمها وارتفاعها وكثرة منافعها واتساعها ﴿والأرض﴾ أي: على ما ترون من عجائبها وكثرة منافعها ﴿أكبر﴾ عند كل من يعقل ﴿من خلق الناس﴾ أي: خلق الله تعالى لهم لأنهم شعبة يسيرة من خلقهما فعلم قطعاً أن الذي قدر على ابتدائه مع عظمه قادر على إعادة الناس على حقارتهم ﴿ولكن أكثر الناس﴾ وهم الذين ينكرون البعث وغيره ﴿لا يعلمون﴾ أي: لا علم لهم أصلاً بل هم كالبهائم لغلبة الغفلة عليهم.
(٩/٤٧٦)