قال ابن عادل: وقوله وهو في أي أغرب إن عني أياً على الإطلاق فليس بصحيح؛ لأن المستفيض في النداء أن تؤنث في نداء المؤنث كقوله تعالى: ﴿يا أيتها النفس المطمئنة﴾ (الفجر: ٢٧)
ولا نعلم أحداً ذكر تذكيرها فيه فيقول: يا أيها المرأة إلا صاحب «البديع في النحو» وإن عني غير المناداة فكلامه صحيح، يقل تأنيثها في الاستفهام وموصولة وشرطية.
ولما وصل الأمر إلى حد من الوضوح لا يخفى على أحد تسبب عنه لفت الخطاب عنهم دلالة على الغضب الموجب للعقاب المقتضي للرهب فقال تعالى:
﴿أفلم يسيروا﴾ أي: هؤلاء الذين هم أضل من الإنعام، لما حصل في صدورهم من الكبر العظيم طلباً للرياسة والتقديم على الغير في المال والجاه ﴿في الأرض﴾ أي أرض كانت سير اعتبار ﴿فينظروا﴾ نظر تفكر فيما سلكوه من سبلها ونواحيها ﴿كيف كان عاقبة﴾ أي: آخر ﴿الذين من قبلهم﴾ أي: مع قرب الزمان والمكان أو بعد ذلك ﴿كانوا أكثر منهم﴾ عَدداً وعُدداً ومالاً وجاهاً ﴿وأشد قوة﴾ في الأبدان كقوم هود عليه السلام وبناء ﴿وآثاراً في الأرض﴾ بنحت البيوت في الجبال وحفر الآبار وبناء المصانع الجليلة وغير ذلك ﴿فما أغنى عنهم ما كانوا يكسبون﴾ بقوة أبدانهم وعظم عقولهم واحتيالهم وما رتبوا من المصانع لنجاتهم حين جاءهم الموت بل كانوا كأمس الذاهب.
تنبيه: ما الأولى نافية أو استفهامية منصوبة بأغنى، والثانية موصولة أو مصدرية مرفوعة به.
﴿فلما جاءتهم رسلهم﴾ أي: الذين قد أرسلناهم إليهم وهم يعرفون صدقهم وأماناتهم ﴿بالبينات﴾ أي: المعجزات الظاهرات الدالة على صدقهم لا محالة واختلف في عود ضمير فرحوا في قوله تعالى: ﴿فرحوا بما عندهم من العلم﴾ على وجهين؛ أحدهما: أنه عائد إلى الكفار واختلف في ذلك العلم الذي فرحوا به فقيل: هو الأشياء التي كانوا يسمونها علماً وهي الشبهات المحكية عنهم في القرآن كقولهم: ﴿ما يهلكنا إلا الدهر﴾ (الجاثية: ٢٤)
(٩/٤٩٩)


الصفحة التالية
Icon