﴿قالوا آمنا بالله﴾ أي: الذي له مجامع العظمة ومعاقد العز ونفوذ الكلمة ﴿وحده﴾ لا نشرك به شيئاً ﴿وكفرنا بما كنا﴾ أي: جبلة وطبعاً ﴿به مشركين﴾ يعنون الأصنام أي: لأنا علمنا أنه لا يغني من دون الله شيء.
ولما كان الكفر بالغيب سبباً لعدم قبول الإيمان عند الشهادة قال تعالى:
﴿فلم يك ينفعهم﴾ أي: لم يصح ولم يقبل بوجه من الوجوه ﴿إيمانهم﴾ أي: لا يتجدد لهم نفعه بعد ذلك لأنه إيمان الجاء واضطرار، لا إيمان طواعية واختيار ﴿لما رأوا﴾ وأظهر موضع الإضمار زيادة في الترهيب فقال تعالى شأنه: ﴿بأسنا﴾ أي: عذابنا لامتناع قبول الإيمان حينئذ لأنه لا يتحقق ولا يتصور إلا مع الغيب، وأما عند الشهادة فقد كشفت سريرته على انه قد فاتت حقيقته وصورته، ولو ردوا لعادوا لما نهو عنه، فإن قيل: أي: فرق بين قوله تعالى: ﴿فلم يك ينفعهم إيمانهم﴾ وبينه، لو قيل فلم ينفعهم إيمانهم؟ أجيب: بأنه من كان في نحو قوله تعالى: ﴿ما كان الله أن يتخذ من ولد﴾ (مريم: ٣٥)
والمعنى فلم يصح ولم يستقم أن ينفعهم إيمانهم. فإن قيل: كيف ترادفت هذه الفاءات؟ أجيب: بأن قوله تعالى: ﴿فما أغنى عنهم﴾ نتيجة قوله تعالى: ﴿كانوا أكثر منهم﴾ وأما قوله تعالى: ﴿فلما جاءتهم رسلهم﴾ فجار مجرى البيان والتفسير لقوله تعالى: ﴿فما أغنى عنهم﴾ كقولك رزق زيد المال فمنع المعروف فلم يحسن إلى الفقراء وقوله تعالى ﴿فلما رأوا بأسنا﴾ تابع لقوله تعالى: ﴿فلما جاءتهم﴾ كأنه قال: فكفروا فلما رأوا بأسنا آمنوا فكذلك فلم يك ينفعهم إيمانهم تابع لإيمانهم لما رأوا بأس الله تعالى، وقوله تعالى: ﴿سنت الله﴾ أي: الملك الأعظم، يجوز انتصابها على المصدر المؤكد لمضمون الجملة أي: الذي فعله الله تعالى بهم سنة سابقة من الله تعالى ويجوز انتصابها على التحذير أي: احذروا سنة الله تعالى في المكذبين ﴿التي قد خلت في عباده﴾ وتلك السنة أنهم إذا عاينوا العذاب آمنوا ولم ينفعهم إيمانهم.
(١٠/١)


الصفحة التالية
Icon