ووجه هذا بوجوه؛ الأول: أن الأصل حمل اللفظ على ظاهره إلا أن يمنع منه مانع وههنا لا مانع، الثاني: أنه تعالى جمعها جمع العقلاء فقال تعالى: ﴿قالتا آتينا طائعين﴾ الثالث: قوله تعالى: ﴿إنا عرضنا الأمانة على السموات والأرض والجبال فأبين أن يحملنها وأشفقن منها﴾ (الأحزاب: ٧٢)
وهذا يدل على كونها عارفة بالله تعالى عالمة بتوجه تكليف الله تعالى، وأجاب الرازي عن هذا: بأن المراد من قوله تعالى: ﴿ائتيا طوعاً أو كرهاً﴾ الاتيان إلى الوجود والحدوث والحصول وعلى هذا التقدير، فحال توجه هذا الأمر كانت السموات والأرض معدومة إذ لو كانت موجودة لم يجز، فثبت أن حال توجه هذا الأمر كانت السموات والأرض معدومة وإذا كانت معدومة لم تكن عارفة ولا فاهمة للخطاب فلم يجز توجه الأمر إليها.
فإن قيل: روى مجاهد وطاووس عن ابن عباس أنه قال: قال الله للسموات والأرض: أخرجا ما فيكما من المنافع لمصالح العباد أما أنت يا سماء فاطلعي شمسك وقمرك ونجومك، وأنت يا أرض فشقي أنهارك وأخرجي ثمارك ونباتك وقال لهما: افعلا ما أمرتكما طوعاً وإلا ألجأتكما إلى ذلك حتى تفعلاه، وعلى هذا لا يكون المراد من قوله ﴿أتينا طائعين﴾ حدوثهما في ذاتهما، بل يصير المراد من هذا الأمر أن يظهر ما كان مودعاً فيهما؟ أجيب: بأن هذا لم يثبت لأنه تعالى قال:
(١٠/١٨)
﴿فقضاهن﴾ أي: خلقهن خلقاً إبداعياً ﴿سبع سموات﴾ وهذا يدل على أن حصول السماء إنما حصل بعد قوله ائتيا طوعاً أو كرهاً.
تنبيه: الضمير للسماء على المعنى كما قال تعالى: ﴿طائعين﴾ ونحوه ﴿أعجاز نخل خاوية﴾ (الحاقة: ٧)
(١٠/١٩)


الصفحة التالية
Icon