تنبيه: في كيفية تلك الشهادة ثلاثة أقوال؛ أولها: أن الله تعالى يخلق الفهم والقدرة والنطق فيها فتشهد كما يشهد الرجل على ما يعرفه، ثانيها: أنه تعالى يخلق في تلك الأعضاء الأصوات والحروف الدالة على تلك المعاني، ثالثها: أن يظهر في تلك الأعضاء أحوالاً تدل على صدور تلك الأعمال من ذلك الإنسان وتلك الأمارات تسمى شهادات كما يقال يشهد هذا العالم بتغيرات أحواله على حدوثه.
فإن قيل: ما السبب في تخصيص هذه الأعضاء الثلاثة بالذكر مع أن الحواس خمسة وهي السمع والبصر والشم والذوق واللمس؟ أجيب: بأن الذوق داخل في اللمس من بعض الوجوه لأن إدراك الذوق إنما يتأتى بأن تصير جلدة اللسان مماسة لجرم الطعام، وكذلك الشم لا يتأتى حتى يصير جلدة الأنف مماسة لجرم المشموم فكانا داخلين في جنس اللمس، وقال ابن عباس رضي الله عنهما: المراد من شهادة الجلود شهادة الفروج وهو من باب الكنايات كما قال تعالى: ﴿لا تواعدوهن سراً﴾ (البقرة: ٢٣٥)
وأراد النكاح وقال تعالى: ﴿أو جاء أحد منكم من الغائط﴾ (النساء: ٤٣)
والمراد قضاء الحاجة وقال ﷺ «أول ما يتكلم من الآدمي فخذه وكفه» وعلى هذا التقدير تكون الآية وعيداً شديداً في إتيان الزنا لأن مقدمة الزنا إنما تحصل بالفخذ، وقال مقاتل: تنطق جوارحهم بما كتمت الأنفس من عملهم وعن أنس بن مالك قال: كنا عند رسول الله ﷺ فضحك فقال: «هل تدرون مم أضحك؟ قلنا: الله ورسوله أعلم، قال: من مخاطبة العبد ربه فيقول يا رب ألم تجرني من الظلم فيقول: بلى قال فيقول فإني لا أجيز اليوم على نفسي إلا شاهداً مني قال فيقول: كفى بنفسك اليوم عليك حسيباً وبالكرام الكاتبين عليك شهوداً قال فيختم على فيه ويقال لأركانه انطقي فتنطق بأعماله ثم يخلي بينه وبين الكلام فيقول بعداً لَكُنَّ وسحقاً فعنكنَّ كنت أناضل».
(١٠/٢٨)


الصفحة التالية
Icon