﴿فإن استكبروا﴾ أي: أوجدوا التكبر عن اتباعك فيما أمرتهم به من التوحيد فلم ينزهوا الله تعالى عن الشريك ﴿فالذين عند ربك﴾ أي: من الملائكة، قال الرازي: ليس المراد بهذه العندية: قرب المكان بل كما يقال عن الملك من الجند كذا وكذا، ويدل عليه قوله تعالى: «أنا عند ظن عبدي بي»، ﴿وأنا عند المنكسرة قلوبهم من أجلي﴾ ﴿يسبحون له بالليل والنهار﴾ أي: دائماً لقوله تعالى: ﴿وهم لا يسأمون﴾ أي: لا يملون ولقوله سبحانه وتعالى: ﴿يسبحون الليل والنهار لا يفترون﴾ (الأنبياء: ٢٠)، فإن قيل: اشتغالهم بهذا العمل على الدوام يمنعهم من الاشتغال بسائر الأعمال مع أنهم ينزلون إلى الأرض كما قال تعالى ﴿نزل به الروح الأمين على قلبك﴾ (الشعراء: ١٩٣ ـ ١٩٤)
وقال تعالى عن الذين قاتلوا يوم بدر ﴿يمددكم ربكم بخمسة آلاف من الملائكة مسومين﴾ (آل عمران: ١٢٥)
؟ أجيب: بأن الذين ذكرهم الله تعالى ههنا بكونهم مواظبين على التسبيح أقوام معينون من الملائكة.
تنبيه: اختلف في مكان السجدة فقيل: هو عند قوله تعالى: ﴿إياه تعبدون﴾ وهو قول ابن مسعود والحسن رضي الله عنهما حكاه الرافعي عن أبي حنيفة وأحمد رضي الله تعالى عنهما لأنه ذكر السجدة قبيله، والصحيح عند الشافعي رضي الله تعالى عنه عند قوله تعالى ﴿لا يسأمون﴾ وهو قول ابن عباس وابن عمر وسعيد بن المسيب وقتادة وحكاه الزمخشري عن أبي حنيفة رضي الله عنه لأن عنده تم الكلام.
ولما ذكر تعالى الدلائل الأربعة الفلكية أتبعها بذكر الدلائل الأرضية فقال تعالى:
(١٠/٤٣)
﴿ومن آياته﴾ الدالة على قدرته ووحدانيته ﴿أنك﴾ أي: أيها الإنسان ﴿ترى الأرض﴾ أي: بعضها بحاسة البصر وبعضها بعين البصيرة قياساً على ما أبصرت ﴿خاشعة﴾ أي: يابسة لا نبات فيها والخشوع التذلل والتقاصر فاستعير لحال الأرض إذا كانت قحطة لا نبات فيها كما وصفها بالهمود في قوله تعالى: ﴿وترى الأرض هامدة﴾ (الحج: ٥)
(١٠/٤٤)