وقال ابن عباس رضي الله عنهما: لنوقفهم على مساوي أعمالهم ﴿ولنذيقهم﴾ أي: بعد إقامة الحجة عليهم بموازين القسط الوافية كمثاقيل الذر ﴿من عذاب غليظ﴾ أي: شديد لا يدع جهة من أجسامهم إلا أحاط بها.
ولما حكى الله تعالى أقوال الذي أنعم عليه بعد وقوعه في الآفات حكى أفعاله أيضاً فقال:
(١٠/٥٥)
﴿وإذا أنعمنا﴾ أي: بما لنا من العظمة ﴿على الإنسان﴾ أي: الواقف مع نفسه نعمة تليق بعظمتنا ﴿أعرض﴾ أي: عن التعظيم لأمر الله تعالى والشفقة على خلق الله تعالى ﴿ونأى﴾ أي: أبعد بعداً جعل بيننا وبينه حجاباً عظيماً ﴿بجانبه﴾ أي: ثنى عطفه متبختراً ﴿وإذا مسه الشر﴾ أي: هذا النوع قليله وكثيره ﴿فذو دعاء﴾ أي: في كشفه وربما كان نعمة باطنة وهو لا يشعر ولا يدعو إلا عند المس، وقد كان ينبغي له أن يشرع في الدعاء عند التوقع بل قبله تعرفاً إلى الله تعالى في الرخاء ليعرفه في الشدة وهو خلق شريف لا يفعله إلا أفراد خصهم الله بلطفه ﴿عريض﴾ أي: مديد العرض جداً وأما طوله فلا يسئل عنه، وهذا كناية عن النهاية في الكثرة، تقول العرب أطال فلان الدعاء وأعرض أي: أكثر، ثم أمر الله تعالى نبيه محمداً ﷺ بقوله تعالى:
﴿قل﴾ أي: لهؤلاء المعرضين ﴿أرأيتم﴾ أي: أخبروني ﴿إن كان﴾ أي: هذا القرآن ﴿من عند الله﴾ الذي له الإحاطة بجميع صفات الجلال والجمال ﴿ثم كفرتم به﴾ أي: من غير نظر واتباع دليل ﴿من أضل﴾ منكم هكذا كان الأصل ولكنه قال: ﴿ممن هو في شقاق﴾ أي: خلاف لأولياء الله تعالى ﴿بعيد﴾ أي: عن الحق تنبيها على أنهم صاروا كذلك ومن صار كذلك فقد عرض نفسه لسطوات الله عز وجل.
(١٠/٥٦)