ولما كان القبول قد يكون في المستقبل مع الأخذ بما مضى قال الله تعالى تفضلاً منه ورحمة: ﴿ويعفو عن السيئات﴾ أي: التي كانت التوبة منها صغيرة كانت أو كبيرة وعن غيرها فلا يؤاخذ بها إن شاء لأن التوبة تجب ما قبلها كما أن الإسلام الذي هو توبة خاصة يجب ما يكون قبله وروى أنس عن النبي ﷺ أنه قال: «لله أشد فرحاً بتوبة عبده حين يتوب إليه من أحدكم كان هو وراحلته بأرض فلاة، فانفلتت منه وعليها طعامه وشرابه فآيس منها، فأتى شجرة فاضطجع في ظلها قد أيس من راحلته فبينما هو كذلك إذ هو بها قائمة عنده فأخذ بخطامها ثم قال من شدة الفرح: «اللهم أنت عبدي وأنا ربك أخطأ من شدة الفرح» ﴿ويعلم﴾ أي: والحال أنه يعلم كل وقت ﴿ما تفعلون﴾ فيجازي ويتجاوز عن إتقان وحكمة، وقرأ حمزة والكسائي وحفص بتاء الخطاب إقبالاً على الناس عامة وهذا خطاب للمشركين، وقرأ الباقون بالغيبة نظراً إلى قوله تعالى عن عباده وقال تعالى بعد ﴿ويزيدهم من فضله﴾.
ولما رغب بالعفو زاد بالإكرام فقال تعالى:
﴿ويستجيب﴾ أي: يوجد بغاية العناية والطلب إجابة ﴿الذين آمنوا﴾ أي: دعاء الذين أقروا بالإيمان في كل ما دعوا به أو شفعوا عنده فيه لأنه لولا إرادته لهم الإكرام بالإيمان ما آمنوا، وعدي الفعل بنفسه ولم يقل: ﴿ويستجيب للذين آمنوا﴾ تنبيهاً على زيادة بره لهم ووصلهم به ﴿وعملوا﴾ تصديقاً لدعواهم الإيمان ﴿الصالحات﴾ فيثيبهم النعيم المقيم ﴿ويزيدهم﴾ أي: مع ما دعوا به لما لم يدعوا به ولم يخطر على قلوبهم ﴿من فضله﴾ أي: تفضلاً منه عليهم ويجوز أن يكون الموصول فاعلاً أي: يجيبون ربهم إذا دعاهم كقوله تعالى: ﴿استجيبوا لله وللرسول إذا دعاكم﴾ (الأنفال: ٢٤)
واستجاب كأجاب ومنه:

*وداع دعا يا من يجيب إلى الندا فلم يستجبه عند ذلك مجيب*
(١٠/٩٢)


الصفحة التالية
Icon