﴿ولو﴾ أي: وهو يقبل ويستجيب والحال أنه لو ﴿بسط الرزق﴾ لهم هكذا كان الأصل لكن قال: ﴿لعباده﴾ لئلا يظن خصوصية ذلك بالتائبين إذ لا فرق بين التائب وغيره ﴿لبغوا﴾ أي: طغوا ﴿في الأرض﴾ أي: لصاروا يريدون كل ما يشتهون فيكثر القتل والسلب والنهب ونحو ذلك من أنواع الفساد، قال خباب بن الأرت: فينا نزلت هذه الآية وذلك إنا نظرنا إلى أموال بني قريظة والنضير وبني قينقاع وتمنيناها فنزلت، وذكر في كون بسط الرزق موجباً للطغيان وجوه: الأول: أن الله تعالى لو سوى في الرزق بين الكل امتنع كون البعض محتاجاً إلى البعض وذلك موجب خراب العالم وتعطيل المصالح، ثانيها: أن هذه الآية مختصة بالعرب فإنه كلما اتسع رزقهم ووجدوا من ماء المطر ما يرويهم ومن الكلأ ومن العشب ما يشبعهم قدموا على النهب والغارة، ثالثها: أن الإنسان متكبر بالطبع فإن وجد الغنى والقدرة عاد إلى مقتضى خلقته الأصلية وهو التكبر وإذا وقع في شدة وبلية ومكروه انكسر وعاد إلى التواضع والطاعة، وقال ابن عباس رضي الله عنهما: «بغيهم طلبهم منزلة بعد منزلة ومركباً بعد مركب وملبساً بعد ملبس» ﴿ولكن ينزل﴾ أي: لعباده من الرزق، وقرأ ابن كثير وأبو عمرو: بسكون النون وتخفيف الزاي والباقون بفتح النون وتشديد الزاي ﴿بقدر﴾ أي: بتقدير لهم ﴿ما يشاء﴾ أي: ما اقتضته مشيأته ﴿أنه﴾ وقال تعالى: ﴿بعباده﴾ ولم يقل بهم لئلا يظن أن الأمر خاص بمن وسع عليهم أو ضيق عليهم ﴿خبير بصير﴾ يعلم جميع ظواهر أمورهم وبواطنها فيقيم كل أحد فيما يصلح له من صلاح وفساد وعدل وبغي.
(١٠/٩٤)


الصفحة التالية
Icon