قيل لأبي سليمان الداراني: ما بال العقلاء أزالوا اللوم عمن أساء إليهم؟ قال: إنهم علموا أن الله تعالى إنما ابتلاهم بذنوبهم وقرأ هذه الآية. وأجاب الأولون بأن حصول هذه المصائب يكون من باب الامتحان في التكليف لا من باب العقوبة كما في حق الأنبياء والأولياء بل ذلك لزيادة درجات وفضائل وخصوصيات لا يصلون إليها إلا بها لأن أعمالهم لم تبلغها فهي خير من الله تعالى لهم، ويحمل قوله تعالى: ﴿فبما كسبت أيديكم﴾ على أن الأصلح عند إتيانكم بذلك الكسب إنزال هذه المصائب عليكم ﴿ويعفو عن كثير﴾ أي: من الذنوب بفضله ورحمته فلا يعاقب عليها ولولا عفوه وتجاوزه ما ترك على ظهرها من دابة قال الواحدي بعد أن روى حديث علي: وهذه أرجى آية في كتاب الله تعالى لأن الله تعالى جعل ذنوب المؤمنين صنفين؛ صنف: كفر عنهم بالمصائب، وصنف: عفا عنهم في الدنيا وهو كريم لا يرجع في عفوه، فهذه سنة الله تعالى مع المؤمنين وأما الكافر: فإنه لا تعجل له عقوبة ذنبه حتى يوافى به يوم القيامة.
﴿وما أنتم بمعجزين﴾ أي: فائتين ما قضى عليكم من المصائب ﴿في الأرض وما لكم من دون الله﴾ ولا في شيء أراده سبحانه منكم كائناً ما كان ﴿من ولي﴾ أي: يكون متولياً لشيء من أموركم بالاستقلال ﴿ولا نصير﴾ يدفع عنكم شيئاً يريده سبحانه بكم.
(١٠/٩٩)
﴿ومن آياته﴾ أي: الدالة على تمام قدرته واختياره ووحدانيته ﴿الجواري﴾ أي: السفن الجارية ﴿في البحر كالأعلام﴾ أي: كالجبال قالت الخنساء في مرثية أخيها صخر:

*وإن صخراً لتأتم الهداة به كأنه علم في رأسه نار*
(١٠/١٠٠)
أي: جبل في رأسه نار شبهت به أخاها. روي أن النبي ﷺ «استنشد قصيدتها هذه فلما وصل الراوي هذا البيت قال: قاتلها الله تعالى ما رضيت بتشبيهه بالجبل حتى جعلت في رأسه ناراً». وقال مجاهد: الأعلام القصور وأحدها علم، وقال الخليل بن أحمد: كل شيء مرتفع عند العرب فهو علم.


الصفحة التالية
Icon