ثم بين تعالى حال نبيه محمد ﷺ قبل الوحي بقوله سبحانه: ﴿ما كنت﴾ أي: فيما قبل الأربعين التي مضت لك وأنت بين ظهراني قومك ﴿تدري﴾ أي: تعرف قبل الوحي إليك ﴿ما الكتاب﴾ أي: القرآن ﴿ولا الإيمان﴾ أي: تفصيل الشرايع على ما جددناه لك بما أوحيناه إليك وهو ﷺ وإن كان قبل النبوة قد كان مقراً بوحدانية الله تعالى وعظمته، فإنه كان يصلي ويحج ويعتمر ويبغض اللات والعزى ولا يأكل ما ذبح على النصب لكنه لم يكن يعلم الرسل على ما هم عليه، ولا شك أن الشهادة له ﷺ نفسه بالرسالة ركن الإيمان ولم يكن له علم بذلك وكذلك الملائكة، فصح نفي المنفي لفواته بفوات جزئه وقال محمد بن إسحاق بن خزيمة: الإيمان هنا الصلاة لقوله تعالى ﴿وما كان الله ليضيع إيمانكم﴾ (البقرة: ١٤٣)
أي: صلاتكم، وقيل: هذا على حذف ومعناه: ما كنت تدري ما الكتاب ولا الإيمان حين كنت طفلاً في المهد، وقيل: الإيمان عبارة عن الإقرار بجميع ما كلف الله تعالى به، وقال بعضهم: صفات الله تعالى على قسمين: منها ما يمكن معرفته بمحض دلائل العقول ومنها: ما لا يمكن معرفته إلا بالدلائل السمعية فهذا القسم الثاني لم تكن معرفته حاصلة قبل النبوة.
تنبيه: ما؛ الأولى نافية والثانية استفهامية والجملة الاستفهامية معلقة للدراية فهي في محل نصب لسدها مسد مفعولين والجملة المنفية بأسرها في محل نصب على الحال من الكاف في إليك، وفي الآية دليل على أنه ﷺ لم يكن متعبداً قبل النبوة بشرع وفي المسألة خلاف للعلماء فقيل: كان يتعبد على دين إبراهيم عليه السلام وقيل: غيره والضمير في قوله تعالى ﴿ولكن جعلناه نوراً﴾ يعود إما لروحاً وإما للكتاب وإما لهما وهو أولى لأنهما مقصود واحد فهو كقوله تعالى: ﴿والله ورسوله أحق أن يرضوه﴾ (التوبة: ٦٢)
(١٠/١٢٠)


الصفحة التالية
Icon