﴿والذي خلق الأزواج﴾ أي: الأصناف المتشاكلة التي لا يكمل شيء منها غاية الكمال إلا بالآخر على ما دبره سبحانه في نظم هذا الوجود ﴿كلها﴾ من النبات والحيوان وغير ذلك من سائر الأكوان لم يشاركه في شيء منها أحد وقال ابن عباس رضي الله عنه: الأزواج الضروب والأنواع كالحلو والحامض والأبيض والأسود والذكر والأنثى، وقال بعض المحققين: كل ما سوى الله تعالى فهو زوج كالفوق والتحت واليمين واليسار والقدام والخلف والماضي والمستقبل والذوات والصفات والصيف والشتاء والربيع والخريف، وكونها أزواجاً يدل على أنها ممكنة الوجود في ذواتها محدثة مسبوقة بالعدم، فأما الحق تعالى: فهو الفرد المنزه عن الضد والند والمقابل والمعاضد، فلهذا قال تعالى: ﴿والذي خلق الأزواج كلها﴾ فهو مخلوق فدل هذا على أن خالقها فرد مطلق منزه عن الزوجية، قال الرازي: وأيضاً علماء الحساب يثبتون أن الفرد أفضل من الزوج من وجود الأول أن الاثنين لا توجد إلا عند حصول وحدتين، فالزوج محتاج إلى الفرد والفرد هو الوحدة وهي غنية عن الزوج والغني أفضل من المحتاج، الثاني: أن الزوج يقبل القسمة بقسمين متساويين والفرد لا يقبل القسمة وقبول القسمة انفعال وتأثر وعدم قبولها قوة وشدة فكان الفرد أفضل من الزوج، ثم ذكر وجوهاً أخر تدل على أن الفرد أفضل من الزوج وإذا كان كذلك ثبت أن الأزواج ممكنات ومخلوقات وأن الفرد هو القائم بذاته المستقل بنفسه الغني عما سواه ﴿وجعل لكم من الفلك﴾ أي: السفن العظام في البحر ﴿والأنعام﴾ كالإبل في البر ﴿ما تركبون﴾ وحذف العائد لفهم المعنى تغليباً للمتعدي بنفسه في الأنعام على المتعدي بواسطة في الفلك، والعائد مجرور في الأول أي: فيه منصوب في الثاني وذكر الضمير وجمع الظهور في قوله تعالى:
(١٠/١٢٩)