﴿وقالوا﴾ أي: بعد عبادتهم لهم ونهيهم عن عبادة غير الله تعالى ﴿لو شاء الرحمن﴾ أي: الذي له عموم الرحمة ﴿ما عبدناهم﴾ أي: الملائكة فعبادتنا إياهم بمشيئته فهو راض بها ولولا أنه راض بها لعجل لنا العقوبة، فاستدلوا بنفي مشيئة عدم العبادة على الرضا بها وذلك باطل لأن المشيئة ترجيح بعض الممكنات على بعض، مأموراً كان أو منهياً حسناً كان أو غيره ولذلك جهلهم فقال تعالى: ﴿ما لهم بذلك﴾ أي: المقول من الرضا بعبادتها ﴿من علم إن﴾ أي: ﴿هم إلا يخرصون﴾ أي: يكذبون في هذه النتيجة التي زعموا أنها دلتهم على رضا الله تعالى بكفرهم فيترتب عليهم العقاب.
ولما بين تعالى بطلان قولهم بالعقل أتبعه بطلان قولهم بالنقل فقال تعالى:
﴿أم آتيناهم﴾ أي: على ما لنا من العظمة ﴿كتاباً﴾ أي: جامعاً لما يريدون اعتقاده من أقوالهم هذه ﴿من قبله﴾ أي: القرآن أخبرناهم فيه أنا جعلنا الملائكة إناثاً وأنا لا نشاء إلا ما هو حق نرضاه ونأمر به ﴿فهم به﴾ أي: فتسبب عن هذا الإتيان أنهم به وحده ﴿مستمسكون﴾ أي: موجدون الاستمساك به فيأخذون بما فيه، لم يقع ذلك.
ولما بين تعالى أنه لا دليل على صحة قولهم البتة لا من العقل ولا من النقل، بين أنه لا حامل لهم يحملهم عليه إلا التقليد بقوله تعالى:
﴿بل قالوا إنا وجدنا آباءنا﴾ أي: وهم أرجح منا عقولاً وأصح منا إفهاماً ﴿على أمة﴾ أي: طريقة عظيمة يحق لها أن تقصد وتؤم ثم أكدوا قطعاً الرجاء المخالف عن لفتهم عن ذلك فقالوا ﴿وإنا على آثارهم﴾ أي: خاصة لا غيرها ﴿مهتدون﴾ أي: متبعون فلم نأت بشيء من عند أنفسنا ولا غلطنا في الاتباع واقتفاء الآثار فلا اعتراض علينا بوجه هذا قولهم في الدين بل في أصوله التي من ضل في شيء منها هلك ولو ظهر لأحد منهم خلل في سعي أبيه الدنيوي الذي به يحصل الدينار والدرهم ما اقتدى به أصلاً وخالفه أيَّ مخالفة ما هذا إلا قصور نظر ومحض عناد ثم أخبر تعالى أن غيرهم قال هذه المقالة بقوله سبحانه:


الصفحة التالية
Icon