﴿أهم﴾ أي: أهؤلاء الجهلة العجزة ﴿يقسمون﴾ أي: على التجدد والاستمرار ﴿رحمت ربك﴾ أي: إكرام المحسن إليك وإنعامه وتشريفه أنواع اللطف والبر وإعظامه بما رباك له من تخصيصك بالإرسال إليهم لإنقاذهم من الضلال وجعلك وأنت أفضل العالمين الرسول إليهم، ففضلوا بفضيلتك مع أنك أشرفهم نسباً وأفضلهم حسباً وأعظمهم عقلاً وأصفاهم لباً وأرحمهم قلباً، ليتصرفوا في تلك الرحمة التي هي روح الوجود وسر الأمر لا يحب شهواتهم ولا يقدرون على التصرف في المتاع الزائل بمثل ذلك كما قال تعالى: ﴿نحن قسمنا﴾ بما لنا من العظمة ﴿بينهم﴾ أي: في الأمر الزائل الذي يعمهم ويجب تخصيص كل منهم لما لديه ﴿معيشتهم﴾ أي: التي يعدونها رحمة ويقصرون عليهم النعمة ﴿في الحياة الدنيا﴾ التي هي أدنى الأشياء عندنا وأشار بتأنيثها إلى أنها حياة ناقصة لا يرضاها عاقل، وأما الآخرة فعبر بالحيوان لأنا لو تركنا قسمها إليهم لتفانوا على ذلك فلم يبق منهم أحد، فكيف يدخل في الوهم أن نجعل إليهم شيئاً من الكلام في أمر النبوة التي هي روح الوجود وبها سعادة الدارين ﴿ورفعنا﴾ أي: بما لنا من نفوذ الأمر ﴿بعضهم﴾ وإن كان ضعيف البدن قليل العقل ﴿فوق بعض﴾ وإن كان قوياً غزير العقل ﴿درجات﴾ في الجاه والمال ونفوذ الأمر وعظم القدر لينتظم حال الوجود، فإنه لابد في انتظامه من تشارك الموجودين وتعاونهم ففاوتنا بينهم في الجثث والقوى والهمم، ليقتسموا الصنائع والمعارف ويكون كل ميسراً لما خلق له وجانحاً لما هُيىء لتعاطيه فلم يقدر أحد من دني أو غني أن يعدو قدره ويرتقي فوق منزلته.
(١٠/١٤١)


الصفحة التالية
Icon