﴿أفأنت﴾ أي: وحدك من غير إرادة الله تعالى ﴿تسمع الصم﴾ وقد أصممناهم بما صببنا في مسامع أفهامهم من رصاص الشقاء ﴿أوتهدي العمي﴾ الذين أعميناهم بما غشينا به أبصار بصائرهم من أغشية الخسارة روي أنه ﷺ «كان يجتهد في دعاء قومه وهم لا يزيدون إلا تصميماً على الكفر وعناداً في الغي فنزلت». أي: هم في النفرة عنك وعن دينك بحيث إذا أسمعتهم القرآن كانوا كالصم وإذا أريتهم المعجزات كانوا كالعمي وقوله تعالى ﴿ومن كان﴾ أي: جبلة وطبعاً ﴿في ضلال مبين﴾ عطف على العمي باعتبار تغاير الوصفين، وفيه إشعار بأن الموجب لذلك تمكنهم في ضلال لا يخفى بين في نفسه أنه ضلال وأنه محيط بالضال، يظهر لكل أحد ذلك فهو بحيث لا يخفى على أحد فالمعنى: ليس شيء من ذلك إليك بل هو إلى الله تعالى القادر على كل شيء وأما أنت فليس عليك إلا البلاغ فلا تتعب نفسك.
﴿فإما نذهبن بك﴾ أي: من بين أظهرهم بموت أو غيره وما مزيدة مؤكدة بمنزلة لام القسم في استجلاب النون المؤكدة ﴿فإنا منهم﴾ أي: من الذين تقدم التعريض بأنهم صم عمي ضلال لم تنفعهم مشاعرهم ﴿منتقمون﴾ أي: بعد فراقك لأن وجودك بين أظهرهم هو سبب تأخير العذاب عنهم.
﴿أو نرينك﴾ وأنت بينهم ﴿الذي وعدناهم﴾ أي: من العذاب وعبر فيه بالوعد ليدل على الخير بلفظه وعلى الشر بأسلوبه ﴿فإنا﴾ أي: بما لنا من العظمة التي أنت أعلم الخلق بها ﴿عليهم﴾ أي: على عقابهم ﴿مقتدرون﴾ على كلا التقديرين، وأكد بأن لأن أفعالهم أفعال من ينكر قدرته وكذا بالإتيان بنون العظمة وصيغة الافتعال.
﴿فاستمسك﴾ أي: اطلب وأوجد بجد عظيم على كل حال من أحوال الإمساك ﴿بالذي أوحى إليك﴾ من حين نبوتك إلى الآن في الانتقام منهم وفي غيره ﴿إنك على صراط﴾ أي: طريق واسع واضح جداً ﴿مستقيم﴾ أي: موصل إلى المقصود لا يصح أصلاً أن يلحقه شيء من عوج.
(١٠/١٥٠)


الصفحة التالية
Icon