ولما كان كأنه قيل: بم نادى أجاب بقوله: ﴿قال﴾ أي: خوفاً من إيمان القبط لما رأى من أن ما شاهدوه من باهر الآيات مثله يزلزل ويأخذ القلوب ﴿يا قوم﴾ مستعطفاً بإعلامهم أنهم لحمة واحدة ومستنهضاً بوصفهم بأنهم ذو قوة على ما يحاولنه مقرراً لهم على عذره في نكثه بقوله: ﴿أليس لي﴾ أي: وحدي ﴿ملك مصر﴾ أي: كله فلا اعتراض علي من بني إسرائيل ولا غيرهم ﴿وهذه﴾ أي: والحال أن هذه ﴿الأنهار﴾ أي: أنهار النيل قال البيضاوي: ومعظمها أربعة: نهر الملك ونهر طولون ونهر دمياط ونهر تنيس، وقال البقاعي: كأنه كان قد أكثر من تشقيق الخلجان إلى بساتينه وقصوره ونحو ذلك من أموره فقال: ﴿تجري من تحتي﴾ أي: تحت قصري أو أمري أو بين يدي في جناني وزاد في التقرير بقوله: ﴿أفلا تبصرون﴾ أي: هذا الذي ذكرته لكم فتعلموا ببصائر قلوبكم أنه لا ينبغي لأحد أن ينازعني، وهذا لعمري قول من ضعفت قواه وانحلت عراه.
﴿أم أنا خير﴾ أي: مع ما وصفت لكم من ضخامتي وما لي من القدرة على إجراء المياه التي بها حياة كل شيء ﴿من هذا﴾ وكنى بإشارة القريب عن تحقيره ثم وصفه بما يبين مراده بقوله: ﴿الذي هو معين﴾ أي: ضعيف حقير ذليل لأنه يتعاطى أموره بنفسه وليس له ملك ولا قوى يجري بها نهراً ولا ينفذ بها أمراً ﴿ولا يكاد يبين﴾ أي: لا يقرب من أن يعرب عن معنى من المعاني لما في لسانه من الحبسة، فلا هو قادر في نفسه ولا له قوة بلسانه على تصريف المعاني وتنويع البيان ليستجلب القلوب وينعش الألباب فتكثر أتباعه ويضخم أمره، وقد كذب في جميع قوله فقد كان موسى عليه السلام أبلغ أهل زمانه قولاً وفعلاً بتقدير الله تعالى الذي أرسله له وأمره إياه ولكن اللعين أسند هذا إلى ما بقي في لسانه من الحبسة تخييلاً لاتباعه لأن موسى عليه السلام ما دعا بإزالة جميع حبسته بل بعقدة منها فإنه قال ﴿واحلل عقدة من لسان يفقهوا قولي﴾ (طه: ٢٧ ـ ٢٨)
(١٠/١٥٥)