ولما كان ذلك لا يكمل إلا بالدوام قال تعالى عائداً إلى الخطاب لأنه أشرف وأكد ﴿وأنتم فيها خالدون﴾ لبقائها وبقاء كل ما فيها فلا كلفة عليهم أصلاً من خوف من زوال ولا خوف من فوات. ثم أشار إلى فخامتها بأداة البعد فقال تعالى:
﴿وتلك الجنة﴾ أي: العالية المقام ﴿التي أورثتموها﴾ شبه جزاء العمل بالميراث لأنه يخلفه عليه العامل، وقرأ أبو عمرو وهشام وحمزة والكسائي بإدغام الثاء المثلثة في المثناة وأظهرها الباقون ﴿بما﴾ أي: بسبب ما ﴿كنتم تعملون﴾ أي: مواظبين على ذلك لا تفترون لأن العمل كان لهم كالجبلة التي جبلوا عليها فالمنة لربهم في الحقيقة بما زكى لهم أنفسهم.
ولما ذكر سبحانه الطعام والشراب ذكر الفاكهة فقال:
﴿لكم فيها فاكهة﴾ أي: ما يؤكل تفكهاً وإن كان لحماً وخبزاً ﴿كثيرة﴾ ودل على الكثرة وعلى دوام النعمة بقصد التفكه لكل شيء فيها بقوله تعالى: ﴿منها﴾ أي: لا من غيرها مما يلحظ فيه القوت ﴿تأكلون﴾ فلا تنفد أبداً ولا تتأثر بأكل الآكلين لأنها على صفة الماء النابع لا يؤخذ منها شيء إلا خلف مكانه مثله في الحال، ورد في الحديث: «أنه لا ينزع رجل ثمرة إلا نبت مكانها مثلاها».
تنبيه:
لما بعث الله تعالى نبيه محمداً عليه الصلاة والسلام إلى العرب وكانت في ضيق شديد بسبب المأكول والمشروب والفاكهة ذكر الله تعالى هذه المعاني مرة بعد أخرى تكميلاً لرغباتهم وتقوية لدواعيهم ومِنْ في قوله تعالى ﴿منها تأكلون﴾ تبعيضية أو ابتدائية وقدم الجار لأجل الفاصلة.
ولما ذكر سبحانه الوعد أردفه بالوعيد على الترتيب المستمر في القرآن فقال تعالى:
(١٠/١٦٩)
﴿إن المجرمين﴾ أي: الراسخين في قطع ما أمر الله به أن يوصل ﴿في عذاب جهنم﴾ أي: النار التي من شأنها إلقاء داخلها بالتجهم والكراهة والعبوسة كما كان يعمل عند قطعه لأولياء الله تعالى ﴿خالدون﴾ لأن اجتراءهم كان طبعاً لهم لا ينفكون عنه أصلاً ما بقوا.
(١٠/١٧٠)


الصفحة التالية
Icon