روى ابن عباس: أن أهل النار يدعون مالكاً خازن النار يقولون: ليقض علينا ربك أي: ليمتنا ربك فنستريح، فيجيبهم مالك بعد ألف سنة إنكم ماكثون أي: مقيمون في العذاب. وعن عبد الله بن عمرو بن العاص: يجيبهم بعد أربعين، وعن غيره مائة سنة واختلفوا في أن قولهم: ﴿يا مالك ليقض علينا ربك﴾ على أي وجه طلبوه فقال بعضهم: على التمني وقال آخرون: على وجه الاستغاثة وإلا فهم عالمون بأنه لا خلاص لهم من ذلك العذاب. ثم إنه تعالى ذكر ما هو كالعلة لذلك الجواب بقوله تعالى:
﴿لقد جئناكم﴾ أي: في هذه السورة خصوصاً وفي جميع القرآن عموماً ﴿بالحق﴾ على لسان الرسل وقرأ نافع وابن كثير وابن ذكوان وعاصم بإظهار الدال عند الجيم، والباقون بالإدغام ﴿ولكن أكثركم للحق كارهون﴾ لما فيه من المنع من الشهوات فلذلك أنتم تقولون إنه ليس بحق لأجل كراهتكم فقط لا لأجل أن في حقيّته نوعاً من الخفاء، فإن قيل: كيف قال: ونادوا يا مالك بعد أن وصفهم بالإبلاس؟ أجيب: بأنها أزمنة متطاولة وأحقاب ممتدة فتختلف بهم الأحوال فيسكتون أوقاتاً لغلبة اليأس عليهم ويستغيثون أوقاتاً لشدة ما بهم، روى أنه يلقى على أهل النار الجوع حتى يعدل ما هم فيه من العذاب فيقولون: ادعوا مالكاً فيدعون ﴿يا مالك ليقض علينا ربك﴾.
ولما ذكر تعالى كيفية عذابهم في الآخرة ذكر بعده كيفية مكرهم وفساد باطنهم في الدنيا فقال تعالى:
﴿أم أبرموا﴾ أي: أحكم كفار مكة ﴿أمراً﴾ أي: في المكر برسول الله ﷺ وفي رد أمرنا ومعاداة أوليائنا مع علمهم بأنا مطلعون عليهم ﴿فإنا مبرمون﴾ أي: محكمون أمراً في مجازاتهم أي: مبرمون كيدنا كما أبرموا كيدهم كقوله تعالى: ﴿أم يريدون كيداً فالذين كفروا هم المكيدون﴾ (الطور: ٤٢)
قال مقاتل: نزلت في تدبيرهم المكر في دار الندوة.
تنبيه: أم منقطعة والإبرام: الإتقان وأصله في الفتل يقال أبرم الحبل، أي: أتقن فتله وهو الفتل الثاني والأول يقال له سحيل قال زهير:


الصفحة التالية
Icon