﴿كذلك﴾ خبر لمبتدأ مضمر أي: الأمر كما أخبرنا به من تنعيمهم وإخراجهم وإغراقهم وأنهم تركوا جميع ما كانوا فيه لم يغن عنهم شيء منه فلا يغتر أحد بما ابتليناه من النعم لئلا نصنع به من الإهلاك ما صنعنا بهم وقوله تعالى: ﴿وأورثناها﴾ أي: تلك الأمور العظيمة عطف على تركوا ﴿قوماً﴾ أي: ناساً ذوي قوة في القيام على ما يحاولونه وحقق أنهم غيرهم تحقيقاً لإغراقهم بقوله تعالى: ﴿آخرين﴾ ليسوا منهم في شيء وهم بنو إسرائيل وقيل: غيرهم لأنهم لم يعودوا إلى مصر بل سكنوا الأرض المقدسة.
ولما سكن القوم الآخرون بمصر ورثوا كنوزها وأموالها ونعمها ومقامها الكريم وقوله تعالى:
﴿فما بكت عليهم السماء والأرض﴾ مجاز عن عدم الاكتراث بهلاكهم لهوانهم، وإذا لم تبك المساكن فما ظنك بالساكن الذي هو فيها تقول العرب: إذا مات رجل خطير في تعظيم مهلكه: بكت عليه السماء والأرض وبكته الريح وأظلمت له الشمس قال الفرزدق:
*فالشمس طالعة ليست بكاسفة | تبكي عليك نجوم الليل والقمر* |
وقالت الخارجية:*أيا شجر الخابور مالك مورقاً | كأنك لم تجزع على ابن طريف* |
وقال جرير:*لما أتى خبر الزبير تواضعت | سور المدينة والجبال الخشع* |
وذلك على سبيل التخييل والتمثيل مبالغة في وجوب الجزع والبكاء، عليه قال الزمخشري: وكذلك ما يروى عن ابن عباس من بكاء مصلى المؤمن وآثاره في الأرض ومصاعد عمله ومهابط رزقه في السماء تمثيل، ونفى ذلك عنهم في قوله تعالى:
﴿فما بكت عليهم السماء والأرض﴾ تهكماً بهم وبحالهم المنافية لحال من يعظم فقده فيقال فيه: بكت عليه السماء والأرض.
(١٠/١٩٦)