روي عن أنس أن النبي ﷺ قال: «يدخل ناس في النار حتى إذا صاروا فحماً أدخلوا الجنة فيقول أهل الجنة: من هؤلاء فيقال: هؤلاء الجهنميون». وروي أنه ﷺ قال: «يعذب ناس من أهل التوحيد في النار حتى يكونوا فيها حمماً ثم تدركهم الرحمة فيخرجون ويطرحون على أبواب الجنة»، فيرش عليهم أهل الجنة الماء فينبتون كما ينبت الغثاء في حمالة السيل ثم يدخلون الجنة. وقوله تعالى:
﴿فضلاً﴾ مفعول لأجله أي: فعل ذلك بهم لأجل الفضل، وجعله أبو البقاء: منصوباً بمقدر أي: تفضلنا بذلك فضلاً أي: تفضلاً.
تنبيه: احتج أهل السنة بهذه الآية على أن الثواب يحصل من الله تعالى فضلاً وإحساناً وأن كل ما وصل إليه العبد من الخلاص من النار والفوز بالجنة فإنما يحصل بفضل الله تعالى ﴿من ربك﴾ أي: المحسن إليك بكمال إحسانه إلى أتباعك إحساناً يليق بك، قال الرازي في اللوامع: أصل الإيمان رؤية الفضل في جميع الأحوال.
(١٠/٢٠٨)
ولما عظمه الله تعالى بإظهار هذه الصفة مضافة إليه ﷺ زاد تعظيمه بالإشارة بأداة البعد فقال تعالى: ﴿ذلك﴾ أي: الفضل العظيم الواسع ﴿هو﴾ أي: خاصة ﴿الفوز﴾ أي: الظفر بجميع المطالب ﴿العظيم﴾ لأنه خلاص عن المكاره ولم يدع جهة من الشرف إلا ملأها، وهذا يدل على أن الفضل أعلى من درجات الثواب المستحق لأنه تعالى وصفه بكونه فوزاً عظيماً، وأيضاً فإن الملك العظيم إذا أعطى الأجير أجرته ثم خلع على إنسان آخر فإن تلك الخلعة أعلى من إعطاء تلك الأجرة.
ولما بيّن تعالى الدليل وشرح الوعد والوعيد قال تعالى:
﴿فإنما يسرناه﴾ أي: سهلنا القرآن سهولة كبيرة ﴿بلسانك﴾ أي: هذا العربي المبين وهم عرب سجيتهم الفصاحة ﴿لعلهم يتذكرون﴾ أي: يفهمونه فيتعظون به وإن لم يتعظوا ولم يؤمنوا به.


الصفحة التالية
Icon