﴿وسخر لكم ما في السموات﴾ من شمس وقمر ونجم بها وغير ذلك بحيث لا يمكنكم الوصول إليه بوجه ﴿وما في الأرض﴾ من دابة وشجر ونبات وأنهار وغيره ولو شاء لجعله كما في السماء لا وصول لكم إليه وقوله تعالى ﴿جميعاً﴾ توكيد لما دل عليه معنى ما من العموم وقيل: حال من ﴿ما في السموات وما في الأرض﴾ وقوله تعالى ﴿منه﴾ حال أي: سخرها كائنة منه تعالى لا صنع لأحد غيره في شيء من ذلك، قال ابن عباس: كل ذلك رحمة منه، وقال الزجاج: كل ذلك تفضل منه وإحسان، وقال بعض العارفين: سخر لك الكل لئلا يسخرك لشيء منها فتكون مسخراً لمن سخر لك الكل وهو الله تعالى فإنه يقبح بالمخدوم أن يخدم خادمه ﴿إن في ذلك﴾ أي: الأمر العظيم من تسخيره لنا كل شيء في الكون ﴿لآيات﴾ أي: دلالات واضحات على أنهم في الالتفات إلى غيره في ضلال مبين بعد تسخيره لنا ما لنا من الأعضاء والقوى على هذا الوجه البديع مع أن من هذا المسخر لنا ما هو أقوى منا ﴿لقوم﴾ أي: ناس فيهم أهلية القيام بما يجعل إليهم ﴿يتفكرون﴾ فيعلمون أنه المتوحد باستحقاق الإلهية فلا يشركون به شيئاً واختلف في سبب نزل قوله تعالى:
(١٠/٢١٧)
﴿قل﴾ أي: يا أفضل الخلق ﴿للذين آمنوا﴾ ادعوا التصديق بكل ما جاءهم عن الله تعالى ﴿يغفروا﴾ أي: يستروا ستراً بالغاً ﴿للذين لا يرجون أيام الله﴾ أي: مثل وقائع الملك الأعظم المحيط بصفة الكمال، فقال ابن عباس: «نزلت في عمر بن الخطاب رضي الله عنه وذلك أنهم نزلوا في غزوة بني المصطلق على بئر يقال لها: المريسيع، فأرسل عبد الله بن أبيّ غلامه ليستقي الماء فأبطأ عليه فلما أتاه قال له ما حبسك؟ قال غلام عمر: قعد على طرف البئر فما ترك أحداً يستقي حتى ملأ قرب النبي ﷺ وقرب أبي بكر رضي الله عنه، فقال عبد الله: ما مثلنا ومثل هؤلاء إلا كما قيل: سمن كلبك يأكلك، فبلغ ذلك عمر فاشتمل سيفه يريد التوجه إليه، فأنزل الله تعالى هذه الآية».


الصفحة التالية
Icon