﴿ثم﴾ أي: بعد فترة من رسلهم ومجاوزة رتب كثيرة عالية على رتبة شريعتهم ﴿جعلناك﴾ أي: بما لنا من العزة والقدرة ﴿على شريعة﴾ أي: طريقة واسعة عظيمة ظاهرة مستقيمة سهلة موصلة إلى المقصود هي جديرة بأن يشرع الناس فيها ويخالطوها مبتدأة ﴿من الأمر﴾ أي: أمر الدين الذي هو حياة الأرواح كما أن الأرواح حياة الأشباح ﴿فاتبعها﴾ أي: اتبع بغاية جهدك شريعتك الثابتة بالحجج ﴿ولا تتبع أهواء﴾ أي: آراء ﴿الذين لا يعلمون﴾ أي: لا علم لهم أو لهم علم لكنهم يعملون عمل من ليس لهم علم أصلاً من كفار العرب وغيرهم، قال الكلبي: «إن رؤساء قريش قالوا للنبي ﷺ وهو بمكة: ارجع إلى دين آبائك فهم كانوا أفضل منك وأسن فأنزل الله تعالى هذه الآية». ثم علل هذا النهي مهدداً بقوله تعالى مؤكداً:
﴿إنهم﴾ وأكد النفي فقال عز من قائل ﴿لن يغنوا عنك﴾ أي: لا يتجدد لهم نوع إغناء مبتدأ ﴿من الله﴾ أي: المحيط بكل شيء قدرة وعلماً ﴿شيئاً﴾ أي: من إغناء أي: إن اتبعتهم، كما أنهم لن يقدروا لك على شيء من أذى إن خالفتهم وناصبتهم ﴿وإن الظالمين﴾ أي: الغريقين في هذا الوصف وهم الكفرة، وكان الأصل: وإنهم ولكنه تعالى أظهر للإعلام بوصفهم ﴿بعضهم أولياء بعض﴾ إذ الجنسية علة الانضمام فلا توالوهم باتباع أهوائهم ﴿والله﴾ أي: الذي له صفات الكمال ﴿وليّ المتقين﴾ أي: الذين همهم الأعظم الاتصاف باتخاذ الوقايات المنجية لهم من سخط الله تعالى، والمعنى: أن الظالمين يتولى بعضهم بعضاً في الدنيا وأما في الآخرة فلا ولي لهم ينفعهم في إيصال الثواب وإزالة العقاب، وأما المتقون المهتدون فالله سبحانه وليهم وناصرهم.
(١٠/٢٢٢)


الصفحة التالية
Icon