﴿بيني وبينكم﴾ أي أن القرآن جاء من عنده فيشهد لي بالصدق ولكم بالكذب، وقد شهد بصدقي بعجزكم عن معارضة شيء من هذا الكتاب الذي أتيت به فثبت بذلك أنه كلامه لأني لا أقدر على ما تقدرون عليه فرادى ولا مجتمعين، وأنتم عرب مثلي، بل وأنا أمّي وفيكم أنتم الكتبة، والذين خالطوا العلماء، وسمعوا أحاديث الأمم، وضربوا بعد بلاد العرب في بلاد العجم، فظهر بذلك ظهور الشمس أنكم كاذبون ﴿وهو﴾ أي: وحده ﴿الغفور﴾ أي: الذي من شأنه أن يمحو الذنوب أعيانها وآثارها فلا يعاقب عليها ولا يعاتب ﴿الرحيم﴾ أي الذي يكرم بعد المغفرة ويتفضل بالتوفيق لما يرضيه قال الزجاج: هذا دعاء إلى التوبة ومعناه غفور لمن تاب منكم رحيم به ولما حكى تعالى طعنهم في كون القرآن معجزاً بقولهم: إنه يختلقه من عند نفسه ثم ينسبه إلى أنه كلام الله تعالى على سبيل الفرية حكى عنهم شبهة أخرى وهو أنهم كانوا يقترحون عليه معجزات عجيبة، ويطالبونه بأن يخبرهم عن المغيبات، فأجاب الله تعالى عن ذلك. بقوله عز وجل:
(١١/٧)
﴿قل﴾ أي: لهؤلاء الذين نسبوك إلى الافتراء ﴿ما كنت﴾ أي: كونا مّا ﴿بدعاً﴾ أي: منشأ مبتدعاً محدثاً مخترعاً، بحيث أكون أجنبياً منقطعاً ﴿من الرسل﴾ أي: لم يتقدّم لي منهم مثال في أصل ما جئت به وهو التوحيد ومحاسن الأخلاق بل قد تقدّمني رسل كثيرون أتوا بمثل ما أتيت به، ودعوا إليه كما دعوت إليه، وصدّقهم الله تعالى بمثل ما صدّقني به. فثبت بذلك رسالتهم وسعد بهم من صدّقهم من قومهم وشقي من كذبهم فانظروا إلى آثارهم واسألوا عن سيرهم من أتباعهم وأنصارهم وأشياعهم.