﴿حملته أمّه كرهاً﴾ أي: على مشقة ﴿ووضعته كرهاً﴾ أي: بمشقة الكوفيون وابن ذكوان بضم الكاف فيهما، والباقون بالفتح، وهما لغتان بمعنى واحد. مثل الضعف والضعف، وقيل: المضموم اسم، والمفتوح مصدر. وليس المراد ابتداء الحمل. فإنّ ذلك لا يكون بمشقة لقوله تعالى: ﴿فلما تغشاها حملت حملاً خفيفاً فمّرت به فلما أثقلت﴾ (سورة الأعراف، آية: ١٨٩)
فحينئذ حملته كرهاً ووضعته كرهاً.
(١١/١٦)
تنبيه: دلت الآية على أنّ حق الأم أعظم لأنه تعالى قال: ﴿ووصينا الإنسان بوالديه حسناً﴾ فذكرهما معاً ثم خص الأم بالذكر فقال: ﴿حملته أمّه كرهاً ووضعته كرهاً﴾ وذلك يدل على أن حقها أعظم، وأنّ وصول المشاق إليها بسبب الولد كثيرة والأخبار كثيرة. في هذا الباب. ﴿وحمله وفصاله﴾ أي: من الرضاع ﴿ثلاثون شهراً﴾ كل ذلك بيان لما تكابده الأم في تربية الولد، ومبالغة في الوصية بها. وفي ذلك دلالة على أنّ أقل مدّة الحمل ستة أشهر، لأنه لما كان مجموع مدة الحمل والرضاع ثلاثين شهراً، وقال تعالى: ﴿والوالدات يرضعن أولادهنّ حولين كاملين﴾ (البقرة: ٢٣٣)
فإذا أسقطنا الحولين الكاملين، وهي أربعة وعشرون شهراً من ثلاثين بقي مدة الحمل ستة أشهر.
روى عكرمة عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: إذا حملت المرأة تسعة أشهر، أرضعت أحد وعشرين شهراً. وإذا حملت ستة أشهر أرضعت أربعة وعشرين شهراً وروي عن أبي بكر أنّ امرأة دفعت إليه وقد ولدت لستة أشهر فأمر برجمها، فقال عمر: لا رجم عليها، وذكر الطريق المتقدمة وعن عثمان نحوه، وأنه همّ بذلك، فقرأ ابن عباس رضي الله عنهما عليه الآية. وأما مدة أكثر الحمل فليس في القرآن ما يدل عليه، واختلف الأئمة في ذلك: فعند الشافعي أربع سنين. وقوله تعالى:
(١١/١٧)


الصفحة التالية
Icon