﴿فلما رأوه﴾ أي: العذاب الذي توعدهم به ﴿عارضا﴾ أي: سحاباً أسود بارزاً في الأفق، ظاهر الأمر عند من له أهلية النظر، حال كونه قاصداً إليهم. ﴿مستقبل أوديتهم﴾ أي: طالباً لأن يكون مقابلاً لها وموجداً لذلك. ﴿قالوا﴾ على عادة جهلهم، مشيرين إليه بأداة القرب الدالة على أنهم في غاية الجهل، لأنّ جهلهم به استمّر حتى كاد أن يواقعهم. ﴿هذا عارض﴾ أي: سحاب معترض في عرض السماء. أي: ناحيتها. ﴿ممطرنا﴾ قال المفسرون: كان حبس عنهم المطر أياماً فساق الله تعالى إليهم سحابة سوداء فخرجت عليهم من واد لهم يقال له المغيث فلما رأوها استبشروا وقالوا هذا عارض ممطرنا فقال الله تعالى ﴿بل هو﴾ أي: هذا العارض الذي ترونه ﴿ما استعجلتم به﴾ أي: طلبتم العجلة في إتيانه وقوله تعالى: ﴿ريح﴾ بدل من ﴿ما﴾ ﴿فيها عذاب أليم﴾ أي: شديد الإيلام وروي أنها كانت تحمل الفسطاط فترفعه في الجوّ، وتحمل الظعينة في الجوّ، فترفعها وهودجها حتى ترى كأنها جرادة وكانوا يرون ما كان خارجاً عن منازلهم من الناس والمواشي تطير بهم الريح بين السماء والأرض، ثم تقذف بهم. ثم وصف تلك الريح. بقوله تعالى:
﴿تدمر﴾ أي: تهلك إهلاكاً عظيماً شديداً. ﴿كل شيء﴾ أي: أتت عليه من الحيوان والناس وغيرهما، هذا شأنها فمن سلم منها كهود عليه السلام ومن آمن به، فسلامته أمر خارق للعادة. كما أنّ أمرها في إهلاك كل ما مرّت عليه أمر خارق للعادة. ﴿بأمر ربها﴾ أي: المبدع لها والمربي والمحسن بالانتقام من أعدائه.
فإن قيل: ما فائدة إضافة الرب إلى الريح أجيب: بأنّ فائدة ذلك: الدلالة على أنّ الريح وتصريف أعنتها، مما يشهد بعظيم قدرته لأنها من أعاجيب خلقه، وأكابر جنوده.
وذكر الأمر وكونها مأمورة من جهته عز وعلا يعضد ذلك ويقويه فليس من تأثير الكواكب والقرانات.
(١١/٢٩)


الصفحة التالية
Icon