وتؤوّل بأنا مكناهم في مثل ما مكناكم فيه والوجه هو الأوّل ﴿وجعلنا لهم﴾ أي على ما اقتضته عظمتنا ﴿سمعاً﴾ وأفرده لقلة التفاوت فيه ﴿وأبصاراً﴾ وجمعه لكثرة التفاوت في أنوار الأبصار، وكذا في قوله تعالى: ﴿وأفئدة﴾ أي: فتحنا عليهم أبواب النعم، وأعطيناهم سمعاً فما استعملوه في سماع الدلائل. وأعطيناهم أبصاراً فما استعملوها في دلائل ملكوت السموات والأرض وأعطيناهم أفئدة، أي: قلوباً فما استعملوها في طلب معرفة الله تعالى، بل صرفوا كل هذه القوى إلى طلب الدنيا ولذاتها. فلا جرم قال تعالى: ﴿فما أغنى عنهم﴾ في حال إرسالنا إليهم الرحمة على لسان هود عليه السلام ثم النقمة بيد الريح ﴿سمعهم﴾ وأكد النفي بتكرير النافي بقوله تعالى: ﴿ولا أبصارهم﴾ وكذا في قوله تعالى: ﴿ولا أفئدتهم﴾ أردنا إهلاكهم، وأكد بإثبات الجار بقوله تعالى: ﴿من شيء﴾ أي: من الأشياء وإن قل وقال الجلال المحلي إنّ ﴿من﴾ زائدة وقوله تعالى: ﴿إذ﴾ معمولة لأغنى وأشربت معنى التعليل. أي: لأنهم ﴿كانوا﴾ أي: طبعاً وخلقاً ﴿يجحدون﴾ أي: يكرّرون على ممر الزمان الجحد ﴿بآيات الله﴾ أي: الإنكار لما يعرب عن دلائل الملك الأعظم ﴿وحاق﴾ أي: نزل ﴿بهم ما كانوا به يستهزئون﴾ لأنهم؛ كانوا يطلبون نزول العذاب على سبيل الاستهزاء ولما تم المراد من الإخبار بهلاكهم على ما لهم من المكنة العظيمة ليتعظ بهم من سمع أمرهم أتبعهم من كان مشاركاً لهم في التكذيب فشاركهم في الهلاك فقال تعالى:
(١١/٣٣)