فإن قيل قوله تعالى: ﴿أجيبوا داعي الله﴾ أمر بإجابته في كل ما أمر به فيدخل فيه الأمر بالإيمان فكيف قال وآمنوا به؟ أجيب بأنه إنما ذكر الإيمان على التعيين، لأنه أهمّ الأقسام وأشرفها وقد جرت العادة في القرآن العظيم بأن يذكر اللفظ العام، ثم يعطف عليه أشرف أنواعه، كقوله تعالى ﴿وملائكته ورسله وجبريل وميكال﴾ (البقرة: ٩٨)
وقوله تعالى ﴿وإذ أخذنا من النبيين ميثاقهم ومنك ومن نوح﴾ (الأحزاب: ٧)
ولما أمر تعالى بالإيمان ذكر فائدته بقوله تعالى: ﴿يغفر لكم﴾ أي: الله تعالى ﴿من ذنوبكم﴾ أي: بعضها من الشرك وما شابهه مما هو حق لله تعالى وكذا ما يجازى به صاحبه في الدنيا بالعقوبات والنكبات والهموم ونحوها، مما أشار إليه قوله تعالى ﴿وما أصابكم من مصيبة فبما كسبت أيديكم ويعفو عن كثير﴾ (الشورى: ٣٠)
(١١/٣٩)
وأما المظالم فلا تغفر إلا برضا أربابها، وقيل: ﴿من﴾ زائدة والتقدير: يغفر لكم ذنوبكم، وقيل: بل فائدته أن كلمة ﴿من﴾ هنا لابتداء الغاية، والمعنى: أنه يقع ابتداء الغفران بالذنوب، ثم ينتهي إلى غفران ما صدر عنكم من ترك الأولى والأكمل ﴿ويجركم﴾ أي: يمنعكم منع الجار لجاره لكونكم بالتحيز إلى داعيه صرتم من حزبه.
﴿من عذاب أليم﴾ «قال ابن عباس: فاستجاب لله تعالى لهم من قومهم نحو سبعين رجلاً من الجنّ فرجعوا إلى رسول الله ﷺ فوافوه في البطحاء، فقرأ عليهم القرآن وأمرهم ونهاهم».
تنبيه: اختلفوا في أن الجنّ هل لهم ثواب أو لا فقيل: لا ثواب لهم إلا النجاة من النار، ويقال لهم: كونوا تراباً، مثل البهائم واحتجوا على ذلك بقوله تعالى ﴿ويجركم من عذاب أليم﴾ وهو قول أبي حنيفة.


الصفحة التالية
Icon