﴿للذين أوتوا العلم﴾ بسبب تهيئة الله تعالى لهم من صفاء الأفهام بتجردهم عن النفوس والحظوظ، وانقيادهم لما تدعو إليه الفطرة الأولى. منهم ابن مسعود وابن عباس ﴿ماذا قال﴾ أي: النبيّ ﷺ ﴿آنفا﴾ أي: قبل افتراقنا وخروجنا عنه روى مقاتل: «أنّ النبيّ ﷺ كان يخطب ويعيب المنافقين فإذا خرجوا من المسجد سألوا عبد الله بن مسعود استهزاء ماذا قال محمد آنفاً» أي الساعة، أي: لا ترجع إليه وقرأ البزي بقصر الهمزة بخلاف عنه والباقون بالمدّ وهما لغتان بمعنى واحد وهما اسما فاعل كحاذر وحذر، ﴿أولئك﴾ أي: البعداء من كل خير ﴿الذين طبع الله﴾ أي: الملك الأعظم ﴿على قلوبهم﴾ أي: بالكفر فلم يفهموا فهم انتفاع؛ لأنّ مثل هذا الجمود لا يكون إلا بذلك ﴿واتبعوا﴾ أي: بغاية جهدهم
﴿أهواءهم﴾ أي: في الكفر والنفاق، فلذلك هم يتهاونون بأعظم الكلام، ويقبلون على جمع الحطام، فهم أهل النار المشار إليهم قبل آية ﴿مثل الجنة﴾ بأنهم ﴿زين لهم سوء عملهم﴾ ثم ذكر تعالى أضداد هؤلاء.
بقوله سبحانه:
﴿والذين اهتدوا﴾ أي: اجتهدوا باستماعهم منك في الإيمان، والتسليم والإذعان بأنواع المجاهدات وهم المؤمنون ﴿زادهم﴾ أي: الله الذي طبع على قلوب الكفرة، ﴿هدى﴾ بأن شرح صدورهم، ونورها بأنوار المشاهدات، فصارت أوعية للحكمة ﴿وآتاهم تقواهم﴾ أي: ألهمهم ما يتقون به النار، قال ابن برحان: التقوى عمل الإيمان كما أن أعمال الجوارح عمل الإسلام.
﴿فهل﴾ أي: ما ﴿ينظرون﴾ أي: ينتظرون وجودها إشارة إلى شدة قربها.
﴿إلا الساعة﴾ وقوله تعالى: ﴿أن تأتيهم﴾ أي: الكافرين بدل اشتمال من الساعة أي: ليس الأمر إلا أن تأتيهم ﴿بغتة﴾ أي: فجأة من غير شعور بها، ولا استعداد لها. وقوله تعالى: ﴿فقد جاء أشراطها﴾ جمع شرط بسكون الراء وفتحها قال أبو الأسود:
*فإن كنت قد أزمعت بالصرم بيننا | فقد جعلت أشراطاً وله تبدو* |