وقوله تعالى: ﴿فهل عسيتم﴾ فيه التفات عن الغيبة، أي: لعلكم ﴿إن توليتم﴾ أي: أعرضتم عن الإيمان والجهاد ﴿أن تفسدوا﴾ أي: توقعوا الإفساد العظيم الذي يستمر تجدّده ﴿في الأرض﴾ بالمعصية والبغي وسفك الدماء الذي يسخط الله تعالى، ويغضبه أشدّ غضب على فاعله، وتكونوا في غاية الجراءة عليه وترجعوا إلى الفرقة بعدما جمعكم الله بالإسلام. وقرأ نافع بكسر السين والباقون بفتحها ﴿وتقطعوا﴾ أي: تقطيعاً كثيراً ﴿أرحامكم﴾ أي: تعودوا إلى أمر الجاهلية في الإغارة من بعض على بعض وغير ذلك، قال قتادة: كيف رأيتم القوم حين تولوا عن كتاب الله تعالى ألم يسفكوا الدم الحرام وقطعوا الأرحام وعصوا الرحمن، وقال بعضهم: هو من الولاية. قال الفراء: يقول فهل عسيتم إن توليتم أمر الناس أن تفسدوا في الأرض بالظلم نزلت في بني أمية وبني هاشم.
(١١/٦٩)
﴿أولئك﴾ أي: المفسدون ﴿الذين لعنهم الله﴾ أي: طردهم أشدّ الطرد الملك الأعظم لما ذكر من إفسادهم وتقطيعهم، ثم سبب عن لعنهم قوله تعالى ﴿فأصمهم﴾ أي: عن الانتفاع بما سمعوه ﴿وأعمى أبصارهم﴾ أي عن الانتفاع بما يبصرون فليس سماعهم سماع إدراك، ولا إبصارهم إبصار اعتبار، فلا سماع ولا إبصار.
﴿أفلا يتدبرون﴾ بقلوب منفتحة منشرحة ليهتدوا إلى كل خير ﴿القرآن﴾ أي: يجهدوا أنفسهم في أن يتفكروا في الكتاب الجامع لكل خير، الفارق بين الحق والباطل، حتى لا يجسروا على المعاصي
فإن قيل قال تعالى: ﴿فأصمهم وأعمى أبصارهم﴾ فكيف يمكنهم التدبر في القرآن؟ وهو كقول القائل للأعمى: أبصر وللأصم اسمع، أجيب بثلاثة أوجه مترتبة بعضها أحسن من بعض؛ الأول: تكليف ما لا يطاق جائز. والله تعالى أمر من علم منه بأنه لا يؤمن أن يؤمن فلذلك جاز أن يصمهم، ويعميهم، ويذمهم على ترك التدبر.
الثاني: أن قوله ﴿أفلا يتدبرون القرآن﴾ المراد منه الناس.