ثانيها: لما قال تعالى: ﴿والله معكم﴾ (محمد: ٣٥)
وقال تعالى ﴿وأنتم الأعلون﴾ (محمد: ٣٥)
بين برهانه بفتح مكة فإنهم كانوا هم الأعلون. ثالثها لما قال تعالى ﴿فلا تنهوا وتدعوا إلى السلم﴾ (محمد: ٣٥)
وكان معناه لا تسألوا الصلح بل اصبروا فإنكم تسألوا الصلح كما كان يوم الحديبية فكان المراد فتح مكة حيث أتى صناديد قريش مستأمنين ومؤمنين ومسلمين ومستسلمين فإن قيل: إن كان المراد فتح مكة فمكة لم تكن فتحت. فكيف قال تعالى: ﴿فتحنا﴾ بلفظ الماضي أجيب من وجهين: أحدهما فتحنا في حكمنا وتقديرنا.
(١١/٨٣)
ثانيهما: ما قدّره الله تعالى فهو كائن فأخبر بصيغة الماضي إشارة إلى أنه أمر واقع لا دافع له. وأمّا حجة قول الأكثرين على أنه صلح الحديبية فلما روى البراء قال: تعدون أنتم الفتح فتح مكة، وقد كان فتح مكة فتحاً ونحن نعد الفتح بيعة الرضوان يوم الحديبية كنا مع النبي ﷺ أربع عشرة مائة والحديبية بئر فنزحناها فلم نترك فيها قطرة فبلغ ذلك النبيّ ﷺ فأتاها فجلس على شفيرها فدعا بإناء فتوضأ ثم تمضمض ودعا وصبه فيها فدرت بالماء حتى شرب جميع من كان معه» وقيل: جاش حتى امتلأت ولم ينفد ماؤها بعد وقال الشعبي في قوله تعالى: ﴿إنا فتحنا لك فتحاً مبيناً﴾ قال فتح الحديبية غفر له ما تقدّم من ذنبه وما تأخر واطعموا نخل خيبر وبلغ الهدي محله وظهرت الروم على فارس ففرح المؤمنون بظهور أهل الكتاب على المجوس. قال الزهري: ولم يكن فتح أعظم من صلح الحديبية. وذلك أنّ المشركين اختلطوا بالمسلمين فسمعوا كلامهم فتمكن الإسلام في قلوبهم وأسلم في ثلاث سنين خلق كثير وكثر سواد الإسلام.
وقال البغوى: ﴿إنا فتحنا لك فتحاً مبيناً﴾ أي: قضينا لك قضاءً مبيناً. وقال الضحاك: أي بغير مال وكان الصلح من الفتح. واختلف قول المفسرين في معنى اللام في قوله تعالى:
(١١/٨٤)