قوله تعالى: ﴿وهو الذي كف﴾ أي: وحده ﴿أيديهم﴾ أي: الذين كفروا من أهل مكة وغيرهم. فإنّ الكف مشروع لكل أحد ﴿عنكم وأيديكم﴾ أيها المؤمنون ﴿عنهم ببطن مكة﴾ أي: بالحديبية وقيل التنعيم. وقيل وادي مكة. وقيل: داخل مكة ﴿من بعد أن أظفركم﴾ أي: أظهركم ﴿عليهم﴾ وهذا تبيين لما تقدّم من قوله تعالى: ﴿ولو قاتلكم الذين كفروا لولوا الأدبار﴾ (الفتح: ٢٢)
(١١/١١٢)
بتقدير أنه كما كف أيديهم عنكم بالفرار وأيديكم عنهم بالرجوع عنهم وتركهم روى ثابت عن أنس بن مالك «أن ثمانين رجلاً من أهل مكة هبطوا على رسول الله ﷺ من جبل التنعيم متسلحين يريدون غرّة النبي ﷺ وأصحابه فأخذهم سلماً فاستحياهم فنزلت هذه الآية». وقال عبد الله بن مغفل المزني: كنا مع النبي ﷺ بالحديبية في أصل الشجرة التي قال الله في القرآن وعلى ظهره غصن من أغصان تلك الشجرة فرفعته عن ظهره وعلي بن أبي طالب بين يديه يكتب كتاب الصلح فخرج علينا ثلاثون شاباً عليهم السلاح فثاروا في وجوهنا فدعا عليهم نبيّ الله ﷺ فأخذ الله أبصارهم فقمنا إليهم فأخذناهم فقال لهم رسول الله ﷺ جئتم في عهد أو هل جعل لكم أحد أماناً قالوا: اللهم لا فخلى سبيلهم فأنزل الله تعالى هذه الآية وعن ابن عباس أظهر الله المسلمين عليهم بالحجارة حتى أدخلوهم البيوت وقيل: إن ذلك كان يوم فتح مكة وبه استشهد أبو حنيفة على أنّ مكة فتحت عنوة لا صلحاً ﴿وكان الله﴾ أي: المحيط بالجلال والإكرام أزلاً وأبداً وقرأ ﴿بما يعملون﴾ أبو عمرو: بالياء التحتية أي الكفار.
والباقون بالتاء الفوقية، أي: أنتم ﴿بصيرا﴾ أي: محيط العلم ببواطن ذلك كما هو محيط بظواهره ولما كان ما مضى من وصف الكفار يشمل كفار مكة وغيرهم عينهم بسبب كفهم النبيّ ﷺ والمؤمنين عن البيت الحرام.


الصفحة التالية
Icon