فكذلك ينبغي أن تكون الأذكار التي هي العبادة اللسانية فيها ما يعقل معناه كجميع القرآن إلا قليلاً منه وفيها ما لا يعقل ولا يفهم كل حروف التهجي ليكون التلفظ به لمحض الانقياد للأمر لا لما يكون في الكلام من طيب الحكاية والقصد إلى غرض كقولك: ربنا اغفر لنا وارحمنا بل يكون النطق به تعبداً محضاً.
ويؤيد هذا وجه آخر: وهو أنّ هذه الحروف مقسم بها لأنّ الله تعالى لما أقسم بالتين والزيتون كان تشريفاً لهما فإذا أقسم بالحروف التي هل أصل الكلام الشريف الذي هو دليل المعرفة وآلة التعريف كان أولى، وإذا عرفت هذا فنقول القسم من الله تعالى وقع بأمر واحد كما في قوله تعالى: ﴿والعصر﴾ (العصر: ١)
وقوله تعالى: ﴿والنجم﴾ (النجم: ١)
بحرف واحد كما في قوله تعالى: ﴿ص﴾ و﴿ن﴾ ووقع بأمرين كما في قوله تعالى: ﴿والضحى﴾ (الضحى: ١)
﴿والليل﴾ (الليل: ١)
وفي قوله تعالى: ﴿والسماء والطارق﴾ (الطارق: ١)
بحرفين كما قال في قوله تعالى: ﴿طه﴾ (طه: ١)
و﴿طس﴾ (النمل: ١)
و﴿حم﴾ (غافر: ١)
ووقع بثلاثة أمور كما في قوله تعالى: ﴿والصافات، فالزاجرات، فالتاليات﴾ (الصافات: ١ ـ ٣)
(١١/١٧٣)
وقوله تعالى: ﴿والسماء ذات البروج واليوم الموعود وشاهد ومشهود﴾ (البروج: ١ ـ ٣)
بثلاثة أحرف كما في قوله تعالى: ﴿ألم﴾ (البقرة: ١)
و﴿طسم﴾ (الشعراء: ١)
﴿الر﴾ (يونس: ١)
ووقع بأربعة أمور كما في قوله تعالى: ﴿والذاريات فالحاملات فالجاريات فالمقسمات﴾ (الذاريات: ٤)
وفي قوله تعالى: ﴿والتين والزيتون وطور سنين وهذا البلد الأمين﴾ (التين: ١ ـ ٣)
وبأربعة أحرف كما في قوله تعالى: ﴿المص﴾ (الأعراف: ١)
و﴿المر﴾ (الرعد: ١)
ووقع بخمسة أمور كما في قوله تعالى: ﴿والطور وكتاب مسطور والبيت المعمور والسقف المرفوع والبحر المسجور﴾ (الطور: ١ ـ ٦)
وفي قوله تعالى: ﴿والمرسلات فالعاصفات والناشرات فالفارقات فالملقيات﴾ (المرسلات: ١ ـ ٥)