﴿أفلم ينظروا﴾ أي: بعين البصر والبصيرة ﴿إلى السماء﴾ أي: المحيطة بهم ﴿فوقهم﴾ فإن غيرها إنما هو فوق ناس منهم لا فوق الكل ﴿كيف بنيناها﴾ أي: أوجدناها على مالنا من المجد والعز مبنية كالخيمة إلا أنها من غير عمد ﴿وزيناها﴾ أي بما فيها من الكواكب الكبار والصغار السيارة والثابتة ﴿وما﴾ أي: والحال أن ما ﴿لها﴾ وأكد النفي بقوله تعالى: ﴿من فروج﴾ أي: فتوق وطاقات وشقوق بل هي ملساء متلاصقة الأجزاء.H
﴿والأرض﴾ أي: المحيطة بهم التي هم عليها ﴿مددناها﴾ أي: بسطناها بما لنا من العظمة ﴿وألقينا﴾ أي: بعظمتنا ﴿فيها رواسي﴾ أي جبالاً ثوابت كانت سبباً لثباتها وخالفت عادة المراسي في أنها من فوق والمراسي التي تعالجونها أنتم من تحت ﴿وأنبتنا﴾ أي بما لنا من العظمة ﴿فيها﴾ أي الأرض وعظم قدرته بالتبعيض فقال تعالى: ﴿من كل زوج﴾ أي صنف من النبات تزاوجت أشكاله ﴿بهيجٍ﴾ أي هي في غاية الرونق والإعجاب فكان مع كونه رزقاً منتزهاً.
﴿تبصرةً﴾ أي: جعلنا هذه الأشياء كلها لأجل أن تنظروا بأبصاركم وتتفكروا ببصائركم فتعبروا منها إلى صانعها فتعلموا ما له من العظمة ﴿وذكرى﴾ أي: ولتذكروا بها تذكراً عظيماً بما لكم من القوى والقدر فتعلموا بعجزكم عن كل شيء من ذلك أنّ صانعها لا يعجزه شيء وأنه محيط بجميع صفات الكمال وقرأ أبو عمرو وحمزة والكسائي: بالإمالة محضة. وقرأ ورش: بالإمالة بين بين والباقون بالفتح.
تنبيه: قال الرازي: يحتمل أن يكون الأمران عائدين إلى السماء والأرض أي خلق السماء تبصرة وخلق الأرض ذكرى ويدل على ذلك أنّ السماء وزينتها غير مستجدّة في كل عام فهي كالشيء المرئي على ممر الزمان. وأمّا الأرض فهي كل سنة تأخذ زينتها وزخرفها فتذكر فالسماء تبصرة والأرض تذكرة ويحتمل أن يكون كل واحد من الأمرين موجوداً في كل واحد من الأمرين فالسماء تبصرة وتذكرة والأرض كذلك.
(١١/١٧٩)