تنبيه: لم يقيد هنا العباد بالإنابة وقيده في قوله تعالى: ﴿تبصرة وذكرى لكل عبد منيب﴾ لأنّ التذكرة لا تكون إلا للمنيب والرزق يعمّ كل أحد غير أنّ المنيب يأكل ذاكراً أو شاكراً للأنعام، وغيره يأكل كما تأكل الأنعام فلم يخصص بقيد ولما كان في ذلك أعظم مذكر للبصراء بالبعث وبجميع صفات الكمال أتبعه ماله من التذكير بالبعث بخصوصية فقال تعالى ﴿وأحيينا به﴾ أي: الماء بعظمتنا ﴿بلدةً﴾ بالتأنيث إشارة إلى أنها في غاية الضعف والحاجة إلى النبات والخلوّ عنه وذكر ﴿ميتاً﴾ للزيادة في تقرير تمكن الحاجة فيها أو حملاً على معنى المكان فإن قيل: ما الفرق بين هذا الموضع وبين قوله تعالى: ﴿وآية لهم الأرض الميتة﴾ (يس: ٣٣)
حيث أثبت الهاء هناك أجيب: بأنّ الأصل في الأرض الوصف فقال الميتة: لأنّ معنى الفاعلية ظاهر هناك والبلدة الأصل فيها الحياة لأنّ الأرض إذا صارت حية صارت آهلة وأقام بها القوم وعمروها فصارت بلدة فأسقط التاء لأنّ معنى الفاعلية غير ظاهر فتثبت فيه الهاء وإذا كان معنى الفاعل لم يظهر لا تثبت فيه الهاء.
ويحقق هذا القول قوله تعالى ﴿بلدة طيبةً﴾ (سبأ: ١٥)
(١١/١٨٢)
حيث أثبت الهاء حيث ظهر معنى الفاعل ولم يثبت حيث لم يظهر ﴿كذلك﴾ أي: مثل الإخراج العظيم ﴿الخروج﴾ من قبورهم على ما كانوا عليه في الدنيا إذ لا فرق بين خروج النبات بعد ما تهشم وتفتت في الأرض وصار تراباً كما كان من بين أصفره وأبيضه وأحمره وأزرقه إلى غير ذلك وبين إخراج ما تفتت من الموتى كما كانوا في الدنيا