﴿الذي جعل مع الله﴾ أي: الذي له الإحاطة بجميع صفات الكمال ﴿إلهاً آخر﴾ يجوز أن يكون منصوباً على الذمّ أو على البدل من كل وأن يكون مجروراً بدلاً من كفار أو مرفوعاً بالابتداء والخبر ﴿فألقياه في العذاب﴾ أي: الذي يزيل كل عذوبة ﴿الشديد﴾ ودخلت الفاء في الخبر لتضمن المبتدأ معنى الشرط. ويجوز أن يكون خبر مبتدأ مضمر أي هو الذي جعل ويكون فألقياه تأكيداً.
﴿قال قرينه﴾ منادياً بإسقاط الأداة كدأب أهل القرب إيهاماً أنه منهم ﴿ربنا﴾ أي: أيها المحسن إلينا أيتها الخلائق كلهم ﴿ما أطغيته﴾ أي: ما أوقعته فيما كان فيه من الطغيان فإني لا سلطان لي عليه وأنت أعلم بذلك ﴿ولكن كان﴾ أي: بجبلته وطبعه ﴿في ضلال بعيد﴾ أي: محيط به من جميع جوانبه لا يمكن رجوعه معه فلذلك كان يبادر إلى كل ما يغضب الله تعالى.
تنبيه: هذا جواب لكلام مقدّر فإن الكافر حينما يلقى في النار يقول ربنا أطغاني شيطاني فيقول ربنا ما أطغيته بدليل قوله تعالى: ﴿لا تختصموا لدي﴾ لأنّ المخاصمة تستدعي كلاماً من الجانبين ونظيره قوله تعالى في سورة ص ﴿قالوا بل أنتم لا مرحباً بكم﴾ (ص: ٦٠)
إلى قوله تعالى ﴿إنّ ذلك لحق تخاصم أهل النار﴾ (ص: ٦٤)
قال الزمخشري: وهذا يدل على أن المراد بالقرين في الآية المتقدّمة هو الشيطان لا الملك الذي هو شهيد وقعيد.
(١١/١٩١)
قال الرازي: وجاءت هذه الآية بلا واو وفي الأولى بواو عاطفة لأن الأولى إشارة وقعت إلى معنيين مجتمعين فإن كل نفس في ذلك الوقت تجيء ومعها سائق وشهيد فيقول الشهيد ذلك القول وفي الثانية لم يجد هنا معنيان مجتمعان حتى تذكر الواو فإن الفاء في قوله تعالى: ﴿فألقياه في العذاب﴾ لا تناسب قوله تعالى: ﴿قال قرينه ربنا ما أطغيته﴾ فليس هناك مناسبة مقتضية للعطف.