﴿وفي السماء﴾ أي: جهة العلو ﴿رزقكم﴾ بما يأتي من المطر والرياح والحرّ والبرد وغير ذلك مما رتبه سبحانه وتعالى لمنافع العباد، وقال ابن عباس يعني بالرزق المطر لأنه سبب الأرزاق، وقيل: في السماء رزقكم مكتوب وقيل تقدير الأرزاق كلها من السماء ولولاه لما حصل في الأرض حبة قوت ﴿وما توعدون﴾ قال عطاء: من الثواب والعقاب وقال مجاهد: من الخير والشرّ وقال الضحاك: من الجنة والنار.
ثم أقسم سبحانه وتعالى بنفسه فقال عز من قائل:
﴿فوربّ﴾ أي: مبدع ومدبر ﴿السماء والأرض﴾ أي: وما أودع فيهما مما علمتموه وما لم تعلموه ﴿إنه﴾ أي: الذي توعدونه من الخير والشرّ والجنة والنار وما ذكر من أمر الرزق وما تقدّم الإقسام عليه ﴿لحق﴾ أي ثبات يطابقه الواقع ﴿مثل ما أنكم تنطقون﴾ أي مثل نطقكم كما أنه لا شك في أنكم تنطقون ينبغي لكم أن لا تشكوا في تحقيق ذلك وقال بعض الحكماء: معناه أن كل إنسان ينطق بلسان نفسه ولا يمكن أن ينطق بلسان غيره، كذلك كل أحد يأكل رزق نفسه الذي قسم له لا يقدر أن يأكل رزق غيره وأنشدوا في المعنى:
*ما لا يكون فلا يكون بحيلة... أبداً وما هو كائن سيكون*
*سيكون ما هو كائن في وقته... وأخو الجهالة مكمد مغبون*
وقيل: معناه إنّ القرآن لحق تكلم به الملك النازل من السماء مثل ما تتكلمون، وقرأ حمزة والكسائي وشعبة برفع اللام على أنه نعت لحق، وما مزيدة وأنكم مضاف إليه أي لحق مثل نطقكم ولا يضر تقدير إضافتها لمعرفة لأنها لا تتعرف بذلك لإبهامها، والباقون بالنصب على أنه نعت لحق أيضاً كما في القراءة الأولى: وإنما بنى الاسم لإضافته إلى غير ممكن كما بناه القائل في قوله:
*فتداعى منخراه بدم... مثل ما أثمر حماض الجبل*
يفتح مثل مع أنها نعت لدم وقيل أنها نعت لمصدر محذوف أي لحق حقاً مثل نطقكم. وقوله تعالى:
(١١/٢١٦)


الصفحة التالية
Icon