﴿وتركنا﴾ أي: بما لنا من العظمة ﴿فيها﴾ أي تلك القرى بما أوقعنا بها من العذاب ﴿آية﴾ أي علامة عبرة على هلاكهم كالحجارة أو الماء المنتن، فإنا قلعنا قراهم كلها وصعدت في الجوّ كالغمام إلى عنان السماء ولم يشعر أحد من أهلها بشيء من ذلك ثم قلبت واتبعت بالحجارة ثم خسف بها وغمرت بالماء الذي لا يشبهه شيء من مياه الأرض، كما أنّ جنايتهم لم تكن تشبه جناية أحد ممن تقدّمهم من أهل الأرض ﴿للذين يخافون العذاب الأليم﴾ أي: أن يحل بهم كما حل بهذه القرى في الدنيا من رفع الملائكة لهم في الهواء الذاري إلى عنان السماء وقلبهم وإتباعهم الحجارة المحرقة، وغمرهم بالماء المناسب لفعلهم بنتنه وعدم نفعه، وما ادّخر لهم في الآخرة أعظم وخص الذين يخافون بالذكر لأنهم المعتبرون بها. وقوله تعالى:
عطف على قوله تعالى: ﴿فيها﴾ بإعادة الجار، لأنّ المعطوف عليه ضمير مجرور فيتعلق بتركنا من حيث المعنى ويكون التقدير وتركنا في قصة موسى آية ﴿إذ أرسلناه﴾ أي: بمالنا من العظمة ﴿إلى فرعون بسلطان مبين﴾ أي بحجة واضحة وهي معجزاته الظاهرة كاليد والعصا ومع ذلك لم ينتفع بها، ولذلك سبب عنها وعقب بها قوله تعالى:
(١١/٢٢٦)
﴿فتولى﴾ أي: كلف نفسه الإعراض عنها بعدما دعاه علمها إلى الإقبال إليها وأشار إلى قواه بقوله تعالى: ﴿بركنه﴾ أي: بسبب ما يركن إليه من القوّة في نفسه وبأعوانه وجنوده، لأنهم له كالركن وقيل: بجميع بدنه كناية عن المبالغة في الإعراض ﴿وقال﴾ معلماً بعجزه عما أتاه به وهو لا يشعر ﴿ساحر﴾ ثم ناقض كمناقضتكم فقال بجهله عما يلزم على قوله ﴿أو مجنون﴾ أي: لاجترائه علىّ مع مالي من عظيم الملك بمثل هذا الذي يدعو إليه
تنبيه: أو هنا على بابها من الإبهام على السامع أو للشك نزل نفسه مع أنه يعرفه نبياً حقاً منزلة الشاك في أمره تمويهاً على قومه، وقال أبو عبيدة: أو بمعنى الواو قال: لأنه قد قالهما قال تعالى: ﴿إنّ هذا لساحر عليم﴾ (الأعراف: ١٠٩)