﴿ومن كل شيء خلقنا﴾ يجوز أن يتعلق بخلقنا أي خلقنا من كل شيء ﴿زوجين﴾ وأن يتعلق بمحذوف على أنه حال من زوجين، لأنه في الأصل صفة له إذ التقدير خلقنا زوجين كائنين من كل شيء، أي صنفين كل منهما يزاوج الآخر من وجه وإن خالفه من آخر ولا يتم نفع أحدهما إلا بالآخر من الحيوان والنبات وغيرهما، ويدخل فيه الأضداد من الغنى والفقر والحسن والقبح والحياة والموت والظلام والنور والليل والنهار والصحة والسقم والبر والبحر والسهل والجبل والشمس والقمر والحر والبرد اللذين هما من نفس جهنم آية بينة عليها وبناؤها على الاعتدال في بعض الأحوال آية على الجنة مذكرة بها مشوّقة إليها، والإيمان والكفر والسعادة والشقاوة والحق والباطل والحلو والمر قال الحسن: كل اثنين منها زوج والله سبحانه وتعالى فرد لا مثل له ﴿لعلكم تذكرون﴾ أي: فعلنا ذلك كله من بناء السماء وفرش الأرض وخلق الأزواج إرادة أن تتذكروا فتعلموا أنّ خالق هذه الأشياء واحد لا شريك له لا يعجزه حشر الأجساد وجمع الأرواح، وقرأ حفص والكسائي بتخفيف الذال والباقون بالتشديد
﴿ففرّوا﴾ أي: أقبلوا والجؤوا ﴿إلى الله﴾ أي: الذي لا سمي له فضلاً عن مكافىء، وله الكمال كله فهو في غاية العلو فلا يفرّ ويسكن أحد إلى غير محتاج مثله فإن المحتاج لا غنى عنده ولا يفرّ إليه سبحانه إلا من تجرّد عن حضيض عوائقه الجسمية إلى أوج صفاته الروحانية وذلك من وعيده إلى وعده اللذين دلّ عليهما بالزوجين فتكمل السياق بالتحذير والاستعطاف بالاستدعاء فهو من باب لا ملجأ منك إلى إليك أعوذ بك منك قال القشيري: ومن صح فراره إلى الله تعالى صح قراره مع الله تعالى قال البقاعي: وهو بكمال المتابعة ليس عيناً ومن فهم منه اتحاداً بذات أو صفة فقد نابذ طريق القوم فعليه لعنة الله.
(١١/٢٣٢)