ولما أقسم سبحانه على الصدق في وعيدهم إلى أن ختم بقوته التي لا حدّ لها سبب عن ذلك إيقاعه بالمتوعدين فقال تعالى مؤكداً لأجل إنكارهم:
﴿فإن للذين ظلموا﴾ أي: أوقعوا الأشياء في غير مواقعها ﴿ذنوباً﴾ أي: نصيباً من العذاب طويل الشرّ كأنه من طوله صاحب ذنب ﴿مثل ذنوب أصحابهم﴾ أي: الذين تقدّم ظلمهم بتكذيب الرسل من قوم نوح وعاد وثمود، والذنوب في الأصل الدلو العظيمة المملوءة ماء وفي الحديث «فأتى بذنوب من ماء» فإن لم تكن ملأى فهي دلو ثم عبر به عن النصيب قال عمرو بن شاس:

*وفي كل حيّ قد خطبت بنعمة فحق لشاس من نداك ذنوب*
قال الملك: نعم وأذنبه، قال الزمخشري: وهذا تمثيل أصله في السقاة يتقسمون الماء فيكون لهذا ذنوب ولهذا آخر. قال الشاعر:
*لكم ذنوب ولنا ذنوب فإن أبيتم فلنا القليب*
وقال الراغب الذنوب الدلو لذي له ذنب انتهى. فراعى الاشتقاق والذنوب أيضاً: الفرس الطويل الذنب، وهو صفة على فعول والذنوب لحم أسفل المتن ويقال: يوم ذنوب أي طويل الشرّ استعارة من ذلك ويجمع في القلة على أذنبة وفي الكثرة على ذنائب ﴿فلا تستعجلون﴾ أي تطلبوا أن آتيكم به قبل أوانه حق به، فإنّ ذلك لا يفعله إلا ناقص وأنا متعال عن ذلك لا أخاف الفوت ولا يلحقني عجز ولا أوصف به، ولا بدّ أن أوقعه بهم في الوقت الذي قضيت به في الأزل فإنه أحق الأوقات بعقابهم لتكامل ذنوبهم.
(١١/٢٣٩)


الصفحة التالية
Icon