ولما كان من باشر النعمة وجانب النقمة في غنى عظيم قال مترجماً لذلك على تقدير القول ﴿كلوا﴾ أي: أكلاً هنيئاً ﴿واشربوا﴾ أي: شرباً ﴿هنيئاً﴾ وهو الذي لا تنغيص فيه فكل ما تتناولونه مأمون العاقبة من التخم والسقم وغيرهما ﴿بما﴾ أي: بسبب ما ﴿كنتم﴾ أي: كوناً راسخاً ﴿تعملون﴾ أي: مجددين العمل على سبيل الاستمرار حتى كأنه طبع لكم.
ثم نبه على أنهم مع هذا النعيم مخدومون بقوله تعالى ﴿متكئين﴾ أي: مستندين استناد راحة لأنهم يخدمون فلا حاجة لهم إلى الحركة ﴿على سرر مصفوفة﴾ أي: منصوبة واحداً إلى جنب واحد مستوية كأنها الستور على أحسن نظام وأبدعه.
(١١/٢٤٧)
ثم نبه على تمام سرورهم بالتمتع بالنساء بقوله تعالى ﴿وزوجناهم﴾ أي: تزويجاً يليق بما لنا من العظمة أي صيرناهم ممتعين ﴿بحور﴾ أي: نساؤهنّ في شدّة بياض العين وسوادها واستدارة حدقتها ورقة جفونها في غاية حسن لا توصف ﴿عين﴾ أي: واسعات الأعين في رونق وحسن.
تنبيه: اعلم أنه تعالى بين أسباب التنعم على الترتيب فأوّل ما يكون المسكن وهو الجنان، ثم الأكل والشرب ثم الفرش والبسط ثم الأزواج فهذه أمور أربعة ذكرها الله تعالى على الترتيب، وذكر في كل واحد منها ما يدل على كماله فقوله: ﴿جنات﴾ إشارة إلى المسكن وقال ﴿فاكهين﴾ إشارة إلى عدم التنغيص وعلوّ المرتبة لكونه مما آتاهم الله. وقال: ﴿كلوا واشربوا هنيئاً﴾ أي مأمون العاقبة وترك ذكر المأكول والمشروب دلالة على تنويعهما وكثرتهما. وقوله تعالى ﴿بما كنتم تعملون﴾ إشارة إلى أنه تعالى يقول: إني مع كوني ربكم وخالقكم وأدخلتكم الجنة بفضلي فلا منة لي عليكم اليوم وإنما منتي عليكم كانت في الدنيا هديتكم ووفقتكم للأعمال الصالحة كما قال تعالى ﴿بل الله يمنّ عليكم أن هداكم للإيمان﴾ (الحجرات: ١٧)
وأمّا اليوم فلا منة عليكم لأنّ هذا إنجاز الوعد.
(١١/٢٤٨)


الصفحة التالية
Icon